سورة غافر [٤٠: ٥]
{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ}:
{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ}: أي كذبت قبل قريش قوم نوح، ونوح هو أول رسول بُعث للنهي عن عبادة الأصنام وكذبت، ولم يقل كذب؛ للدلالة على الكثرة (تاء التّأنيث تدل على الكثرة) وكذب تدل على القلة، كذبت قبلهم قوم نوح نوحاً عليه السّلام ولم يؤمنوا به رغم مرور (٩٥٠) سنة على دعوته إياهم.
{وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ}: الأحزاب جمع حزب، من بعدهم: أي من بعد قوم نوح وهم الأمم الّذين تحزبوا على رسلهم وأنبيائهم بالتّكذيب والإعراض وعدم الإيمان والقتل أمثال: عاد وثمود ومدين وأصحاب الأيكة وقوم لوط وقوم فرعون.
{وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ}: وهمّت من الهم، والهم نوعان: ثابت إذا كان معه العزم، وعارض هو حديث النّفس ولا عزم.
{كُلُّ}: للتوكيد.
{أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ}: من الأخذ وهو: الأسر أو الحبس أو القتل والتّعذيب، والأخيذ وهو الأسير أصلاً، والأخذ قد يكون معناه الهلاك كقوله تعالى: {ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} [الحج: ٤٤]. والباء برسولهم: للإلصاق.
{وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ}: إذن هناك جدال بالحق أو جدال بالباطل.
والجدال بالحق هو جدال حسن، وكما قال تعالى: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ} [العنكبوت: ٤٦]، وجدال بالباطل وهو المذموم.
والباطل هو الذّاهب الزّائل، وقيل: ما لا وجود له، وقيل: هو الكذب أيضاً.
والباء للإلصاق والملازمة، فجدالهم كان كله باطلاً.
{لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ}: اللام لام التّعليل. ليدحضوا به الحق: الدّحض مأخوذ من الطّين الّذي يلزق؛ أي تزل القدم في الطّين؛ أي: أرادوا إزالة الحق بالباطل فلم يستطيعوا. فهذه الآية تبين ما هو الهدف أو الغاية من وراء جدالهم.
{فَأَخَذْتُهُمْ}: الفاء للتوكيد، أخذتهم: أهلكتهم، والأخذ بقوة وشدة؛ يعني: العقاب.
{فَكَيْفَ}: استفهام فيه تقرير وتعجب.
{كَانَ عِقَابِ}: ارجع إلى الآية (٣) من السّورة نفسها لبيان معنى عقاب. وعقاب: نكرة للتّهويل والتّعظيم؛ بالصّيحة بالرّجفة بالصّاعقة وبإرسال حجارة من طين، وغيرها من أنواع العقاب؛ أي: انظروا كيف كان عاقبتهم بالسّير في الأرض ورؤية مساكنهم أو آثارهم.
ولمقارنة هذه الآية: {فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ} مع قوله تعالى: {فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} ارجع إلى سورة الرّعد آية (٣٢).
وانتبه إلى ترابط الآيات السابقة في الآية (٤) قال تعالى: {مَا يُجَادِلُ فِى آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا} تبين من هم الّذين يجادلون في آيات الله.
وفي الآية (٥): {وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ} تبين ما هو الهدف أو الغاية أو الدّافع إلى الجدال في آيات الله هو إبطال الحق وردّ المؤمنين إلى الكفر، أو منع الآخرين من الإيمان أو الدّخول في الإسلام واتباع الحق.
وأما قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِى اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ} [الحج: ٨] [لقمان: ٢٠]. فهي تبين حالة هؤلاء الّذين يجادلون في الآيات، يجادلون بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير.