سورة الأحزاب [٣٣: ١٩]
{أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِى يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا}:
{أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ}: أشحة: من الشح: وهو الحرص على تحصيل ما ليس عنده، والبخل: الامتناع من الإنفاق منه بعد الحصول عليه، وقيل: الشح أن تأكل مال أخيك ظلماً، كما قال ابن مسعود، وقيل: الشح أكثر ما يكون في النفس؛ أي: مجبول على الشح، وقيل: الشّحيح هو الّذي يبخل على الغير، وقد يكون كريماً على نفسه وأهله، أمّا البخيل فهو الّذي يبخل على نفسه وعلى الغير.
فلذلك قال تعالى: أشحة عليكم وليس على أنفسهم، أيْ: لا يقدِّمون لكم أيَّة معونة أو لا ينفقون على الفقراء أو الجهاد في سبيل الله أو لا ينفقون في سبيل الله عامة، ولا يقدمون لكم يد العون في حفر الخندق.
{فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ}: الفاء للتوكيد أو المباشرة، الخوف: الحرب أو القتال والفزع واختار جاء لتدل على الشّدة والصّعوبة، ولم يقل: أتى الخوف.
{رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ}: ونسمِّي هذا في عالم الطّب بـ منعكس عيني الدُّمية الّذي يراه أطباء العصبية حين يشارف المريض على الموت إذا أدرت رأسه إلى اليسار ترى عينه تتجه إلى اليمين أو بالعكس: تدور أعينهم كما تدور عينا الّذي دنا من الموت يمنة أو يسرة؛ دليلاً على قرب موت الدّماغ.
{كَالَّذِى يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ}: أي: اقترب أجله وليس هناك أملٌ في شفائه، ودوران العين يعني: عدم ثباتها واستقرارها.
{فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ}: أي: انتهت الحرب أو انتهى القتال وأصابكم من الغنيمة شيء.
{سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ}: سلقوكم: خاطبوكم أشد مخاطبة والسّلق يعني الضّرب. ألسنة حداد: على وزن فعال جمع حاد بمعنى القاطع كحد السيف القاطع.
وسلقوكم بألسنة حداد: أيْ: آذووكم بالكلام أو الغيبة والتّهمة والسّب للمطالبة بقسم من الغنيمة، أو لما لا تعطونهم أكثر مما تعطونهم أو بأنهم سبب النّصر والفوز الّذي أصابكم أو بأنهم فعلوا كذا وكذا وقدَّموا لكم العون، وكل ذلك كذب وافتراء.
{أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ}: أيْ: بخلاء على الغير في كلّ عمل خير حتّى بالقول، وكيف بالفعل أو عندما يتولَّون تقسيم الغنائم بأيديهم يصبحون بخلاء أشحاء لا يعطون غيرهم شيئاً من الغنائم أو المال (الخير).
{أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا}: أولئك اسم إشارة تدل على التّحقير، لم يؤمنوا: نفى عنهم الإيمان الصّحيح وإن أظهروا أنّهم مؤمنون؛ لأنّهم منافقون، أولئك لم يؤمنوا حقيقةً، بل هم منافقون.
{فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ}: الفاء للترتيب والمباشرة، أحبط الله أعمالهم: أبطل الله ثواب أعمالهم الصّالحة من الحبط مرض يصيب الماشية، فتظن أنّها مليئة باللحم، ولكنها مريضة ومصابة بالوذمات واحتباس السوائل في بدنها ولحمها فاسد لا يؤكل؛ لأنّها مريضة ومصابة بمرض الحبن أو الكبد، أيْ: أبطل الله ثواب خروجهم وما أنفقوا مهما كان قليلاً أو كثيراً، وكان ذلك على الله يسيراً، أيْ: إبطال أعمالهم وإحباطها هيِّن وسهل على الله تعالى.