{بِمُعْجِزِينَ فِى الْأَرْضِ}: الباء للإلصاق والاستمرار، معجزين: جمع معجز وهو الّذي يُعجز غيره؛ أي: يفلت من غيره، وما أنتم بمعجزين في الأرض: نفى عنهم، ليس فقط القدرة على الهرب، بل نفى عنهم حتّى التّفكير بالهرب، فالهرب ليس وارداً بحقهم من أقطار الأرض ولا في الأرض نفسها.
{وَلَا فِى السَّمَاءِ}: تكرار (لا) يفيد توكيد نفي العجز عن كلّ واحدة لا في الأرض ولا في السّماء ولا كلاهما، السّماء: تشمل السّموات السّبع وكل ما علا الإنسان.
{وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِىٍّ وَلَا نَصِيرٍ}: وما لكم: الواو: عاطفة. ما: نافية. لكم: خاصة المكذبون بالبعث والآخرة في زمن إبراهيم من غير الله تعالى. من: استغراقية تستغرق كل ولي ونصير، والولي: هو القريب الّذي يُعينك ويُكِنّ لك المحبة والمودة، النّصير: هو الّذي ينصرك بالقوة ويدافع عنك، فقد يكون هناك من هو ولي ولا يستطيع أن ينصرك، أو هناك من هو نصير وليس ولياً لك، فالنّفي شمل كلاهما. ارجع إلى سورة البقرة آية (١٠٧) لمزيد من البيان.
أوّلاً: لنقارن هذه الآية (٢٢) من سورة العنكبوت: {وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِى الْأَرْضِ وَلَا فِى السَّمَاءِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِىٍّ وَلَا نَصِيرٍ} مع الآية (٣١) من سورة الشّورى: {وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِى الْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِىٍّ وَلَا نَصِيرٍ}:
نجد أولاً: في سورة العنكبوت أضاف كلمة السّماء إلى الأرض، أما في سورة الشّورى اقتصر على كلمة الأرض، السّبب: الآية في سورة العنكبوت جاءت في خطاب قوم إبراهيم وفي النّمرود الّذي كان يظن أنّه قادر على الصّعود إلى السّماء، فالتحدي في آية العنكبوت أشد من التّحدي في سورة الشّورى، ولذلك أضاف السّماء في العنكبوت وحذفها في الشّورى (خطاب عام).
ثانياً: وفي آية العنكبوت إشارة إلى الصّعود إلى السّماء، وقد رأينا هذا منذ حوالي (٥٠) عاماً حتّى الآن، كيف يصعد روّاد الفضاء إلى السّماء ورغم ذلك فهم غير معجزي الله وهم تحت رحمة الله، وبإذنه يصعدون، وكم تحطم الكثير من المركبات الفضائية ولم ينجو أحد منها.
ثالثاً: إذا نظرنا إلى الآية {وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِىٍّ وَلَا نَصِيرٍ} وهناك آية أخرى مشابهة {مَا لَهُمْ مِنْ وَلِىٍّ وَلَا نَصِيرٍ} سورة الشّورى الآية (٨): فالاختلاف يعود إلى (من دون الله) فحين يذكر (من دون الله) فالآية في سياق الدّنيا والخطاب إلى الأحياء، وحين لا يذكر (من دون الله) فالآية في سياق الآخرة؛ أي: المخاطبون هم أهل الآخرة؛ لأن في الآخرة ليس هناك سواه سبحانه حتّى يتخذوا ولياً أو نصيراً، فلا داعي لذكر (من دون).