للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سورة الأحزاب [٣٣: ٥٠]

{يَاأَيُّهَا النَّبِىُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ الَّاتِى آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ الَّاتِى هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِىِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِىُّ أَنْ يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِى أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}:

لفهم هذه الآية يجب أن نعلم أنّ هناك أربع فئات من النّساء اللاتي أباح الله لنبيِّه وحده بالزّواج منهن:

الأولى: الزّواج بالمهر:

{يَاأَيُّهَا النَّبِىُّ}: ارجع إلى الآية (١) من مطلع سورة الأحزاب لبيان معنى يا أيها النبي.

{إِنَّا}: للجمع والتّعظيم.

{أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ الَّاتِى آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ}: أحللنا: من الحلال هو المباح شرعاً، أو ما نصَّ الشّارع على حلِّه، أحللنا مشتقة من الحل: أي: انحل من عقد التّحريم أو عقدة التّحريم، لك: اللام لام الاختصاص، أزواجك: بصيغة المذكر، ولم يقل: زوجاتك؛ لأنّ الزّوج يطلق على الذّكر والأنثى والزّوج يعني الجنس، اللاتي: اسم موصول للجمع المؤنث، أتيت أجورهن: أعطيت مهورهن وسمَّى المهور: أجور ويعني إيتاء المهر كاملاً دون تأخير شيء منه، كما يحدث الآن.

والسّؤال: كيف يسمَّى المهر أجراً: لأنّ الأجر يُعطى على منفعة موقوتة وأمّا النّكاح فليس موقوتاً إنما شروطه الدّوام، فالإجارة تتنافى مع عقد النّكاح، إذ الإجارة عقد مؤقت والنّكاح عقد دائم، النّكاح ليس عقد تمليك وإنما هو عقد استباحة، والمهر في النّكاح ليس عوضاً وإنما هو عطية أوجبها الله تعالى.

الفئة الثانية:

{وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ}: وما: اسم موصول بمعنى الّتي، ملكت يمينك: أيْ: ما ملكتها يمينك عليك، مما أفاء الله عليك: الفيء هو ما أخذ بغير حرب أو قتال من السّبي والغنائم مثل صفية بنت حُيي بن أخطب من سبي خيبر، وجويرية بنت الحارث من سبي بني المصطلق.

الفئة الثّالثة:

{وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ الَّاتِى هَاجَرْنَ مَعَكَ}: أمّا الّتي لم تهاجر فلا تحل له، ومن الملاحظ أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يتزوج من بنات عمه ولا بنات عماته ولا بنات خاله ولا بنات خالاته والعم والخال اسم جنس يطلق على المفرد والجمع.

انتبه: أفرد في العم والخال يراد به الجنس وجمع في العمات والخالات؛ أي: كل بنات العم، وبنات الخال، وبنات العمات، وبنات الخالات؛ فقد كان لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- عم واحد وخال واحد أمّا الخالات والعمات فقد كان لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أكثر من خاله وعمه، ولذلك جاء القرآن يصدع بالحق.

الفئة الرابعة:

{وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِىِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِىُّ أَنْ يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ}: أي: وأحللنا لك امرأة مؤمنة؛ أي: شرط أن تكون مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي بدون مهر، وأراد النبي أن يتزوجها فلا بأس، وقوله وهبت نفسها للنبي: فهذه حالة خاصة (خاصة لك) دون المؤمنين فالمؤمن لو وهبت له امرأة نفسها بدون مهر وعقد وولي وشاهدان لم تحل له. وانظر كيف كتبت امرأة بالتاء المربوطة, ولم تكتب بالتاء المفتوحة (أو المبسوطة). ارجع إلى سورة آل عمران آية (٣٠) لمعرفة السبب.

{قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِى أَزْوَاجِهِمْ}: قد: للتحقيق والتّوكيد، علمنا ما فرضنا عليهم: ما تعني الّذي، فرضنا عليهم: على المؤمنين من أحكام وشروط في النّكاح مثل العدد والمهر والعقد وغيرها.

ولا يحل لكم الاقتداء برسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما خصَّه الله به وحده تكريماً له أو لحكمة ما لا يعلمها إلا الله، فلا يحل لكم الزّواج المبني على الهبة.

{وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ}: حكمها معطل الآن.

{لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ}: حرج: أيْ: ضيق أو مشقة فيما يقوله أعداء الدّين.

{وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}: كان تشمل كلّ الأزمنة الماضي والحاضر والمستقبل، غفوراً: صيغة مبالغة من الغفر أيْ: ستر ومحو الإثم ورفع الحرج والضّيق، رحيماً: بالتّوسعة على عباده وترك العقوبة.