سورة البقرة [٢: ١٧٨]
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِى الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنثَى بِالْأُنثَى فَمَنْ عُفِىَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَىْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ}:
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}: نداء جديد إلى الّذين آمنوا بتكليف جديد «لفعل أمر، أو نهي، أو بيان حكم، أو تحذير، أو تخيير».
{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ}: كتب عليكم: فرض عليكم، وثبت ولزم، وكتب فيها توكيد أشد من فرض.
لماذا جاء (كُتِبَ) بصيغة المجهول؛ لأن المشرع هو الله، ومعلوم من الّذي كتب، فلا داعي لذكر ذلك؛ لأنّ كل مؤمن يعلم ذلك، ويعلم مَنْ المنادي حين ينادي: يا أيها الّذين آمنوا.
وهناك من قال: بنيت للمجهول؛ لأنّ الأمر التكليفي فيه مشقة، ويحتاج إلى صبر، والأمور التّكليفية الصّعبة، أو فيها مشقة يبينها الله للمجهول كقاعدة عامة.
{عَلَيْكُمُ}: جاء بعلى: للاستعلاء فيها، معنى المشقة، والإلزام، وعليكم تعني: تشريع للجميع، وليس لفرد واحد، وحين نستعمل اللام بدلاً من (على) كقوله: كتب لنا تعني لمصلحتنا، لام الاختصاص والاستحقاق.
{الْقِصَاصُ}: من قصَّ، وقصى أثره؛ أي: تتبعه، والقصُّ: هو القطع؛ كالّذي يقص الثّوب بالمقص، والقصاص: هي المساواة، والمماثلة «مقابلة الفعل بمثله».
{فِى الْقَتْلَى}: جمع قتيل؛ بمعنى: مقتول.
{الْحُرُّ بِالْحُرِّ}: الحر: هو غير المملوك، الحر مقابله العبد؛ أي: «لا نقص للحر بعبد، أو بالعكس»؛ أي: يقتل الحر بالحر، ولا يقتل مسلم بذمي، أو يُقتل مسلم بكافر.
{وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ}: إذا قُتل عبدٌ نقتص له بعبد.
{وَالْأُنثَى بِالْأُنثَى}: إذا قُتلت أنثى نقتص لها بأنثى، وليس بذكر.
{فَمَنْ عُفِىَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَىْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ}: الفاء: استئنافية، مَنْ: شرطية، فمن تنازل له أخوه، ولي المقتول بالعفو والدّية، فعليه أن يقبل، أو قد لا يتنازل، وعندها يطبق عليه حكم القتل، «وهنا يعني القتل العمد».
أما إذا عفا عنه، وصفح؛ انتهى الأمر، أما إذا طلب منه الدّية فاتباع بالمعروف، وأداء إليه بإحسان، فعلى ولي المقتول أن لا يطالب بأكثر من حقه، وأن يستعمل الرّفق والأدب، وعلى القاتل أن لا يماطل، أو ينقص من الدّية.
{ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ}: ذلك؛ أي: العفو، أو الدّية تخفيف؛ أي: تسهيل من ربكم ورحمة «حيث وسع عليكم ولم يفرض عليكم حكماً واحداً، وهو القتل فقط».
{فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ}: أي: إذا عفا عن القاتل، أو أخذ منه الدّية انتهى الأمر، أما إذا عاد ولي المقتول وانتقم من القاتل بأي شكل، أو ظلم، فله عذاب أليم، «لمن أخذ الدّية، ثم عاد وقتل الجاني».