سورة الأنعام [٦: ١٩]
{قُلْ أَىُّ شَىْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِىَ إِلَىَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِى بَرِاءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ}:
سبب النزول: رُوِيَ عن ابن عباس -رضي الله عنهما- : أن رؤساء مكة من المشركين، أتوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فقالوا: يا محمد! ما نرى أحداً يصدقك بما تقول، ولقد سألنا عنك اليهود والنصارى؛ فزعموا أنه ليس لك عندهم ذكر، ولا صفة، فأرنا من يشهد أنك رسول الله؛ فنزلت هذه الآية.
{قُلْ أَىُّ شَىْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً}:
{قُلْ}: أيْ: اسأل يا محمد المشركين.
{أَىُّ شَىْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً}: ما هي أعظم شهادة تبغونها، أني رسول الله إليكم، والشهادة عظمتها؛ تدل على عِظم الشهيد؛ أي: المُدلي بالشهادة؛ فإن أجابوك: الله؛ كان بها، وإن لم يجيبوك عندها قل: الله سبحانه وتعالى.
{قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ}: فشهادة الله هي أكبر، وأعظم شهادة؛ على نبوَّتك، ولا تحتاج إلى شيء آخر، أو شهادة أخرى.
{وَأُوحِىَ إِلَىَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ}، وقل: {وَأُوحِىَ إِلَىَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ}: لأنذركم به من عذاب الله؛ معنى الإنذار هنا: الإعلام، والتخويف، أو التحذير.
{وَمَنْ بَلَغَ}: أيْ: هو نذير كذلك؛ لكل من بلغه القرآن من العرب، أو العجم؛ أيْ: وصل إليه، وتبيَّن ما فيه، وفهمه بلغته الخاصة؛ لأن الكثير يصل إليه القرآن، لكن لا يفهمون منه حرفاً، ولا آية.
{وَمَنْ}: استغراقية، ويؤيِّد ذلك قوله سبحانه: {تَبَارَكَ الَّذِى نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان: ١]، وهذا يعني: ومن بلغه إلى يوم القيامة.
{أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِى بَرِاءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ}: بعد إنذارهم؛ يوبخهم وينكر عليهم ما يقومون به من الشرك، فيقول:
{أَئِنَّكُمْ}: الهمزة: استفهام تقريري إنكاري، وتوبيخ.
{لَتَشْهَدُونَ}: اللام: للتوكيد، والنون: لزيادة التوكيد.
{أَنَّ}: حرف مشبه بالفعل؛ يفيد التوكيد أيضاً.
{مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى}: مثل اللات، والعزى، ومناة.
{قُلْ لَا أَشْهَدُ}: معكم: بأن مع الله آلهة أخرى.
{إِنَّمَا}: للحصر. قل: إنما هو إله واحد.
{هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ}: هو: ضمير منفصل؛ للتوكيد. إله واحد: لا يلد ولا يولد. ارجع إلى سورة الصافات آية (٤) للبيان المفصل والفرق بين أحد وواحد.
{وَإِنَّنِى}: النون: للتوكيد.
{بَرِاءٌ}: من برئ؛ أيْ: تخلَّى، وابتعد.
{مِمَّا}: هي مركبة من + ما. من: ابتدائية، وما: اسم موصول، أو مصدرية؛ أيْ: بريء من الذين تشركون به، ومن شرككم.
{تُشْرِكُونَ}: تجعلون مع الله إلهاً آخر. تشركون: جاءت بصيغة المضارع؛ لتدل على تجدُّد، وتكرار شركهم، وعدم إقلاعهم عنه.