للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سورة إبراهيم [١٤: ٤٤]

[٤٣]

{وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُم مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ}:

{وَأَنْذِرِ النَّاسَ}: الإنذار: هو إعلام مع تحذير وتخويف.

الإنذار للاستعداد ليوم القيامة، أنذرهم الآن، وهم في الحياة الدّنيا، ولا إنذار في يوم القيامة.

{النَّاسَ}: كلّ النّاس خاصة الكافرون والظالمون والفاسقون.

{يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ}: يوم: هو إما يوم القيامة، أو يوم تتوفاهم الملائكة، واليوم: ظرف زمان، يوم القيامة وخصه بالعذاب؛ لأنّ السّياق في تهديد الظّالمين العصاة الّذين أشركوا، وأمّا يوم تتوفاهم الملائكة يضربون، وجوههم، وأدبارهم في مرحلة الوفاة الّتي تسبق قبض الرّوح، وهم في سكرات الموت.

{فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا}: الّذين: اسم موصول؛ أشركوا، والطّغاة، والعاصين، والمكذبين.

{رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ}: يدعون ربهم، وحذفوا أداة النّداء الياء، ولم يقولوا: يا ربنا؛ لأنّ الزّمن قصير جداً.

{أَخِّرْنَا}: أمهلنا، أو أجلنا، أو أبقنا أحياء إلى فترة أو مدة محدودة قصيرة.

{إِلَى أَجَلٍ}: إلى: حرف غاية يستعمل لكل الغايات. أجل: هو الوقت أو المدة المضروبة لانتهاء أو انقضاء الشّيء.

{إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ}: أي: قصير؛ أي: ردنا، أو أرجعنا إلى الدّنيا ولو لفترة قصيرة.

{نُّجِبْ دَعْوَتَكَ}: إلى التّوحيد والإيمان، وعبادتك، وإلى ما أمرتنا به، أو نهيتنا عنه.

{وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ}: ونتبع ما جاء على ألسنة رسلك (من السّنن)، ونصدق بهم، ونستمع إليهم ونطيعهم، وقالوا: ونتبع الرّسل بدلاً من الرّسول؛ لأنّ الرّسول يمثل الرّسل، ولأنّ الرّسل كلهم يدعون إلى لا إله إلا الله، وامتثال أوامر المعبود وتجنب نواهيه.

وقد ورد في سورة المنافقون، الآية (١٠-١١) نظير هذه الآية، وهي قوله تعالى: {لَوْلَا أَخَّرْتَنِى إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا}.

في سورة القصص، الآية (٤٧): {رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}: فهذه الآية نزلت أوّلاً، فلما أرسل الله سبحانه إليهم رسولاً رفضوا أن يؤمنوا، ورفضوا الآيات، وقالوا: {رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ}، وهذه الآية نزلت بعد آية القصص؛ أي: قالوا أوّلاً ما ورد في آية القصص: {لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا}؛ فلما أرسل الله إليهم رسولاً لم يتبعوه طوال حياتهم، ولما أصبحوا على فراش الموت قالوا: {رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ}.

{أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُم مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ}: أولم: الهمزة: للاستفهام، والتّوبيخ، والواو: لمطلق الجمع، والتّوكيد؛ لم: النّافية.

{تَكُونُوا أَقْسَمْتُم مِنْ قَبْلُ}: في الدّنيا، أو قبل موتكم؛ أي: لا بعث ولا حساب، ولا آخرة.

كما جاء ذلك في الآية (٣٨) من سورة النّحل: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ}؛ وبما أنهم لا يؤمنون بالبعث ولا بالحساب ولا بالآخرة؛ لذلك لم يستعدوا لهذا الموت وسكراته.

{مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ}: ما: النّافية.

{لَكُمْ}: خاصة.

{مِنْ}: استغراقية، وتفيد التّوكيد.

{زَوَالٍ}: رحيل أو تحول عن الدّنيا إلى الآخرة، أو لا زوال بعد الموت؛ أي: لا بعث ولا حساب بعد الموت، وأنّه هو النهاية.