سورة الممتحنة [٦٠: ١٠]
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَسْـئَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْـئَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}:
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}: نداء جديد للذين آمنوا بتكليف جديد، والهاء للتنبيه.
سبب النزول: كما أخرج الشيخان البخاري والمسلم أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما عاهد كفار قريش يوم الحديبية جاءه نساء من المؤمنات يردن الهجرة، فأنزل الله فيهن هذه الآية.
{إِذَا}: شرطية ظرفية تدل على حتمية الحدوث، أي: سيأتيكم المؤمنات.
{جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ}: الهجرة في اللغة: الخروج من أرض إلى أرض، وفي الشرع: الانتقال من دار الكفر إلى دار الإسلام، أو الهجرة من أرض السوء إلى أرض الصلاح.
{فَامْتَحِنُوهُنَّ}: الامتحان: الاختبار لمعرفة سبب هجرتهن، امتحنوا إيمانهن: لتعلموا هل هن راغبات في الإسلام وحباً في الله تعالى ورسوله أم هنَّ هاربات من أزواجهنَّ طمعاً في دنيا أو غيره من النوايا.
{اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ}: جملة اعتراضية، أي: اعلموا أنه يكفي لكم العلم الظّاهر، أما العلم الحقيقي أو الباطن أو النوايا فليس مطلوباً منكم أن تعلموا أسرارهنَّ ونواياهنَّ.
{فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ}: الكفار جمع كافر (الكفر المضاد للإيمان) وفيها مبالغة والكفار أكثر من الكافرين، وتعني: عموم الكافرين وتعني: الحدث أو الاسم (الكفر) والكافرين يغلب عليها فعل الكفر. وعلل عدم رجوعهنَّ إلى أزواجهنَّ الكفار لا هنَّ حلٌّ لهم ولا هم يحلُّون لهنَّ.
والسّؤال: لماذا غيَّر صيغة من {لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ} (حين ذكر النساء)، وقال تعالى: {وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} (حين ذكر الرجال)، ولم يقل: ولا هم حلٌّ لهنَّ أو لا هنَّ يحللن لهم ولا هم يحلُّون لهنَّ؟
الجواب: {لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ} جملة اسمية تدل على الثّبوت، أي: من النّادر أن تتغير حالة إيمانهن وتصبح المؤمنة كافرة بينما جاء بالصّيغة الفعلية {وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} التي تدل على التّجدُّد والتّكرار حين ذكر الرّجال؛ لأنّ الكافر قد يصبح مؤمن إذا أسلم وآمن.
{وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا}: أعطوا أزواجهن الكفار مثل ما دفعوا إليهن من المهور هذا إذا تزوجها مسلم، فإن لم يتزوجها أحد فليس لزوجها الكافر شيء، وأمّا إذا كان زوجها من أهل العهد فعليه رد الصّداق أو المهر. ارجع إلى المصادر الفقهية لمزيد من البيان.
{وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}: أجورهنَّ، أيْ: مهورهنَّ، لا: النّافية، جناح: إثم أو حرج عليكم، إن: للتعليل، تنكحوهنَّ: تتزوجوهنَّ بعقد ومهر.
{وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ}: لا: النّاهية، أي: من كانت له امرأة كافرة لم تهاجر مع زوجها، فقد زالت عصمة النّكاح؛ أي: حكم الزواج، وهو العصم أو الحبل الذي يربطهما، أي: تخلوا عن عقد النّكاح بينكم وبين الكوافر، الكوافر: جمع كافرة على وزن فواعل جمع تكسير جمع كثرة، والكوافر أكثر عدداً من الكافرات، فالكوافر جمع كثرة، أمّا الكافرات فجمع قلة، ولم يذكر الكافرات في القرآن، وذكرت الكوافر مرة واحدة في القرآن في هذه الآية.
{وَسْـئَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ}: أي: إن لحقت امرأة منكم بالكفار مرتدة فاسألوهم ما أنفقتم من المهر.
{وَلْيَسْـئَلُوا مَا أَنْفَقُوا}: أي: ليسأل المشركون أو الكفار الذين لحقت أزواجهم بكم مؤمنات إذا تزوجن منكم فادفعوا إليهم ما أنفقوا.
{ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ}: ولم يقل: ذلك؛ لأن ذلكم: تدل على التّوكيد والأهمية، ولأنّه يشمل عدة أحكام مهمة، وليس حكماً واحداً.
{يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ}: يقضي بينكم.
{وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}: عليم بأحوالكم وأقوالكم وأفعالكم ونواياكم وأسراركم.
{حَكِيمٌ}: مشتقة من الحكم فهو أحكم الحاكمين أو الحكمة فهو أحكم الحكماء حكيم في شرعه، وما يفرض عليكم من أحكام. ارجع إلى سورة البقرة الآية (١١٩) لمزيد من البيان.