سورة الأنعام [٦: ١]
[سورة الأنعام]
ترتيبها في القرآن (٦)، وفي النزول (٥٥)، نزلت بعد سورة الحجر.
مقدِّمة:
رُوِيَ عن ابن عباس -رضي الله عنهما- : أن سورة الأنعام نزلت جملة واحدة ليلاً بمكة، وحولها (٧٠) ألف ملك يجأرون بالتسبيح.
وقيل: بعض آياتها القليلة مدنية.
تهتم بأصول العقيدة، والإيمان، والبعث، والجزاء، وإثبات الألوهية، والوحدانية له تعالى، والوحي، ومحاجة إبراهيم لقومه، ومفاتح الغيب، والوصايا العشر، وغيرها.
{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ}:
بدأت هذه السورة بالحمد لله، ولتعلم أن هناك خمسَ سورٍ في القرآن؛ بدأت بالحمد لله، وهي:
١ - سورة الفاتحة.
٢ - سورة الأنعام.
٣ - سورة الكهف.
٤ - سورة سبأ.
٥ - سورة فاطر.
{الْحَمْدُ لِلَّهِ}: اللام: في لله: لام الاستحقاق. له الثناء والجلال على نعمه علينا وعلى الناس باللسان وبالطاعة.
(ال) التعريف في الحمد: تفيد الاستغراق لكل المحامد.
المحمود على وجه الإطلاق حمداً مستمراً، غير مقيد بزمن، وسواء أأنعم أم لم ينعم -عز وجل- .
و {الْحَمْدُ لِلَّهِ}: جملة اسمية؛ تدل على ثبات الحمد لله، واستمراره، منذ الأزل. ارجع إلى سورة الفاتحة، آية (٣)؛ لمزيد من البيان.
{الَّذِى خَلَقَ}: الذي اسم موصول يفيد التعظيم.
{خَلَقَ}: الخلق: هو الإيجاد ابتداءً، ويعني: التقدير، والتسوية، والحساب.
والخلق: إذا نسب إلى الله هو الإيجاد من العدم على مثال غير سابق.
{خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ}: خلق السموات والأرض؛ من أعظم المخلوقات بعد خلق العرش، وأعظم من خلق الإنسان، كما قال تعالى: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [غافر: ٥٧]. ارجع إلى سورة البقرة، آية (٢٢)، والآية (٢٩)، والأعراف، آية (٥٤)، وسورة فصلت (٩-١٢)؛ للبيان العلمي المفصل لخلق السموات والأرض.
{وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ}: الجعل: يأتي بعد الخلق، أو يلي الخلق.
والجعل: إيجاد شيء من شيء، والخلق: أعم من الجعل، أو الجعل قد يحمل معانيَ كثيرة؛ منها: الصنع، والتبديل، والاعتقاد، والظن، والتغيير.
الخلق: لا يتعلق بشيء آخر، أما الجعل فيكون متعلق بشيء آخر، فالله سبحانه خلق السموات والأرض، وبعد ذلك جعل الظلمات والنور.
{وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ}: الظلمات: جمع ظلمة ويقصد بها في هذه الآية الظلمات الحسية، والأصل في الكون هو الظلمة، وهي أسبق في الوجود من النور، والظلمات: جمع؛ تشمل ظلمات الكون، والبر، وظلمات البحر، وظلمة الليل، وظلمة القبر، وهناك الظلمات الفكرية والاعتقادية كظلمة الكفر والشرك والجهل والنفاق… وغيرها.
{وَالنُّورَ}: النور الحسي واحد، وهو الذي يمحو الظلام. ارجع إلى سورة يونس، آية (٦٧) للبيان، وهناك فرق بين النور والضياء؛ ارجع إلى سورة البقرة آية (١٧) للبيان، وهناك النور الذي يمثل نور الإيمان والقرآن والإسلام وهو نور واحد.
{ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ}: ثم: تفيد الاستبعاد؛ أيْ: من المستبعد بعد كل هذا الخلق، والجعل من الله؛ ينحرف، وينصرف الذين كفروا؛ أي: يشركون به إلى عبادة غيره، ويجعلون له عدلاً مساوياً له في العبادة والدعاء.
{بِرَبِّهِمْ}: الباء: للإلصاق، والرب: يعني: المربي، والرزاق، والمدبر، والخالق، والمقيت.
{يَعْدِلُونَ}: من الفعل عدل، ويعني: الميل عن الحق والصواب، والانحراف مع الهوى، والعدل يعني: المساواة والحكم بالعدل، فهذا الفعل عدل من أفعال التضاد، ويفهم المعنى من سياق الآيات؛ أي: يميلون عن عبادة الإله الحق إلى غيره.
وذكر كلمة بربهم رغم كونهم لا يستحقون إضافة كلمة الرب إليهم؛ فهو ما زال خالقهم، ومربيهم، ورازقهم.
وكلمة {يَعْدِلُونَ}: ذكرت في القرآن في خمسة مواضع:
١ - سورة الأنعام، آية (١): {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ}.
٢ - سورة الأنعام، آية (١٥٠): {وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ}.
٣ - سورة الأعراف، الآية (١٥٩): {وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ}.
٤ - سورة الأعراف، آية (١٨١): {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ}.
٥ - سورة النمل، آية (٦٠): {أَءِلَاهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ}.