{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِى السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}: استفهام يراد به التّقرير، أسلوب من أساليب البيان. الله سبحانه هو المتكلم وهو يخبر بذلك، ولكن الله يريد أن يكون الخبر من المخاطب وليس منه، ويكون إقراراً من العبد ليكون حُجة على العبد.
الهدف من ذكر هذه الآية هنا: أنّها تحمل الوعد والوعيد، الوعيد بالشّر للذي يجادل في أمور الدّين والآيات بعدما تبيّن له الحق، وهذا يسمى المِراء، والوعد بالخير للذي هو على هدى مستقيم، وما دام الله سبحانه سيحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون، فاطمئنوا إلى حكمه سبحانه؛ لأنّه سبحانه يعلم ما يجري ويحدث في السّماء والأرض ولا يحتاج إلى شهود ولا أيّ أدلة، والحاكم يجب أن يكون على علم، فهو سبحانه يعلم ما في السّماء والأرض وكلّ صغيرة وكبيرة، حتّى الورقة حين تسقط يعلمها ويعلم مستقرها ومستودعها، وهو أعلم: صيغة مبالغة على وزن (أفعل) لا أعلم منه سبحانه.
{إِنَّ ذَلِكَ فِى كِتَابٍ}: إنّ: للتوكيد، ذلك: اسم إشارة يشير إلى ما تعملون وتجادلون وتختلفون فيه، في كتاب: أي مدوّن في كتاب أعمالكم وفي اللوح المحفوظ، معلوم لله سبحانه أزلاً من قبل أن تُخلقوا ومن قبل أن تفعلوه، ومجيء الأشياء يكون حسب ما كتبه الله سبحانه سابقاً في اللوح المحفوظ، فالذي كتب الشّيء قبل أن يكون ثمّ جاء الشّيء موافقاً لما كتب، أكبر دليل على علمه سبحانه وإحاطته بكلّ شيء، وكتابة أعمالكم من قبل الملائكة؛ لتكون حجة عليكم يوم القيامة، ولكي تقرأ كتابك بنفسك كما قال تعالى:{اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا}[الإسراء: ١٤].
{إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}: إن: للتوكيد. ذلك: اسم إشارة يشير إلى الكتابة والحفظ، والإحاطة وعلمه، كلّ ذلك على الله يسير، وليس هناك شيء صعب ولكن في تقديركم صعب وبالنّسبة له يسير، وإنما يذكر ذلك ليقرّبه إلى عقولنا، فالكل على الله يسير.