{قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ}: كذلك: تفيد التشبيه؛ أي: مثل ذلك؛ أي: كذلك أمرَ ربك وقضى. وفي سورة آل عمران آية (٤٠): {قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ}، وإذا قارنا قوله تعالى:{يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} في سياق زكريا ويحيى مع {يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} في مريم وعيسى: نجد أن الفعل هو أهون من الخلق؛ أي: أن خلق عيسى أصعب من خلق يحيى؛ لأن خلق يحيى كان من أب وأم، أما عيسى فكان من أم فقط؛ هذا بالنسبة للتقدير البشري، أما بالنسبة لله سبحانه فالكل عليه هين سبحانه؛ لأنه لا يعجزه شيء.
{هُوَ عَلَىَّ هَيِّنٌ}: وفي آية أخرى (٢٧) من سورة الرّوم: {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ}، فهناك شيء هين، وشيء أهون من الهين (يقابله شيء شاق، وشيء أشق).
ولنعلم: أنّ الأمر بالنّسبة لله تعالى ليس عنده شيء هين، وشيء أهون، الكلّ سواسية؛ فكلّ الأشياء هينة عنده سبحانه لا يصعب عليه شيء، وإنما يقصد بهذه الألفاظ: تقريب المعنى إلى أذهان البشر؛ لفهم المعنى، ونحن نعلم: إنما أمره إذا أراد شيئاً أنّ يقول له: كن فيكون، أو أقرب من ذلك.
{شَيْـئًا}: نكرة لم تكن أيَّ شيء مهما كان صغيراً، أو كبيراً، أو يستحق الذّكر، كقوله تعالى في الآية (٦٧) من سورة مريم: {أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْـئًا}، سواء أنطفة في الأصلاب، أم كونه من تراب، وكقوله تعالى:{هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْـئًا مَّذْكُورًا}[الإنسان: ١]. وقوله:{لَمْ يَكُنْ شَيْـئًا مَّذْكُورًا}: أي: كان شيئاً ولم يكن؛ مذكوراً: أي: خلقه من عدم، فقوله تعالى:{خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْـئًا} أبلغ أو أصعب من خلقتك من شيء لم يكن مذكوراً بالتقدير البشري.