سورة آل عمران [٣: ١٠٣]
{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}:
{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا}: الاعتصام: الاستمساك والمنعة، والتمسك عادة يكون بشيء ما؛ لتجنب الوقوع، فكأن هناك شيئاً إذا تمسك به جنبه الوقوع، وارتفع به إلى الأعلى، ومنع نفسه من السقوط، وهذا الشيء هو حبل الله؛ أي: كتاب الله سبحانه، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وهذا يسمى في البيان استعارة تمثيلية بليغة.
بحبل الله: الباء: للإلصاق، حبل الله: هو القرآن، وسنة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، أو الدِّين، ويشمل: الإيمان، والعمل الصالح، وحبل الله: هو الأمان في الدنيا والآخرة، وعدم الخوف، والحزن، والنجاة، وهو الموصل إلى البغية والغاية.
جميعاً: للتوكيد، الكل يجب أن يعتصم بحبل الله.
{وَلَا تَفَرَّقُوا}: الواو: عاطفة، لا: الناهية، تفرقوا: شيعاً وطوائف وأحزاباً، كما تفرقت اليهود والنصارى.
{وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ}: قيل: الخطاب موجَّه إلى الأوس والخزرج حين كان بينهم حروب وعداوة كثيرة في الجاهلية امتدت أكثر من (١٢٠) سنة، فلما جاء الإسلام وحَّد بينهم بنعمة الألفة والوحدة، والاجتماع على القرآن، والإيمان، وطاعة الله.
والعبرة بعموم اللفظ، وليس بخصوص السبب.
فما أحوجنا نحن في هذا العصر إلى الأخذ بهذه الآية أكثر مما أخذ بها الأوس والخزرج.
{إِذْ}: ظرف زمان للماضي؛ أي: حين {كُنتُمْ أَعْدَاءً}: في الجاهلية، فألف بين قلوبكم.
أعداء: إذا كانت العداوات بينهم مختلفة يصفهم بأنهم أعداء، وإذا كانت العداوة بينهم واحدة، أو سببها واحد مثال: عداوة في الدِّين قال عنهم عدو.
{فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ}: أي: وحَّد بين قلوبكم، وجمع بين الأوس والخزرج، وجمع بين قلوبكم بالأخوَّة، والإسلام، والإيمان.
{فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا}: أصبحتم متراحمين، ومجتمعين على أمر واحد: إخواناً في الدِّين.
{وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا}: أي: مشرفين. شفا الحفرة: حافتها، ومن كان يقف على الحافة يوشك أن يقع، وأشفى على الشيء: أشرف عليه.
أي: مشرفين على الوقوع في نار جهنم؛ لما كنتم عليه من الكفر.
{فَأَنْقَذَكُمْ مِّنْهَا}: فأنقذكم الله بالإسلام والوحدة والصلح، وأنجاكم من الوقوع في نار جهنم. منها: تعود للحفرة، أو النار، أو الشفا.
{كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ} أي: كما نبين لكم ما ذكر في الآيات السابقة يبين لكم آياته؛ لتهتدوا هداية تامة، ولا تعودوا إلى أوضاع الجاهلية من التفرقة، والاختلاف، والعدوان.
{آيَاتِهِ}: أضاف الهاء لها تعظيماً، ولم يقل الآيات.
فحين يقول: آياته، أهم من قوله: الآيات، وقوله: آياتي أهم في المعنى من الآيات، أو آياته، وأحب وأقرب من الآيات.
{لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}: لعل: للتعليل؛ أي: لتهتدوا.