سورة فاطر [٣٥: ٢٨]
{وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاؤُا إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ}:
{وَمِنَ النَّاسِ}: الواو عاطفة، من ابتدائية، النّاس: (الإنس والجن).
{وَالدَّوَابِّ}: جمع دابة؛ كلّ ما يدب على الأرض عدا النّاس.
{وَالْأَنْعَامِ}: البقر والغنم والإبل والماعز ومن كلّ زوجين.
{مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ}: أيْ: كاختلاف ألوان الثّمار والجبال.
{إِنَّمَا}: كافة مكفوفة تفيد الحصر؛ أي: حصر الخشية بالعلماء (خاصة).
{يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاؤُا}: أيْ: أن الذين يخشون الله (سبحانه) حق الخشية هم العلماء أو تعني: من المفروض أن يكون العلماء هم أخشى النّاس لله تعالى لما يرونه بأعينهم من الحقائق والاكتشافات العلمية والآيات الكونية، وقدَّم المفعول به (اللهَ) ليفيد الاختصاص.
{مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاؤُا}: لا يقصد بهؤلاء العلماء الكفرة الملحدين الّذين لا يذكرون الله مهما شاهدوا من آيات كونية أو حقائق، فهؤلاء لا يُثني عليهم مهما وصلوا إليه من علوم ومعارف.
والمقصود بهؤلاء العلماء الّذين عرفوا الله سبحانه وملأت قلوبهم الخشية تعظيماً لما رأوا من قدرته وعظمته من آيات كونية تدل على أنّه الخالق والإله الحق، والخشية هي مزيج من الخوف والتّعظيم والعلم بالله وأسمائه وصفاته ووحدانيته, وقال تعالى: {الْعُلَمَاؤُا} ولم يقل العالمون, العلماء: هم طلاب العلم عامة, أما العالمون: فهم أساتذة العلم, أو من يعلمون العلماء أو هم قمة العلم أو ليس هناك من هو أعلم منهم.
وهناك قراءة شاذة إنما يخشى الله من عباده العلماء، والخشية: هنا لا تعني الخوف والتعظيم، وإنما تعني: إنما يمدح أو يُثني ويعظم الله عباده العلماء الّذين اكتشفوا بعض الأسرار والآيات الكونية، وكانوا سبباً لهداية غيرهم من الضالين.
ويؤيِّد ذلك قوله تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}: وبهذا يكون معنى يخشى يُعظم ويثني وليس يخاف.
{إِنَّ اللَّهَ}: إن للتوكيد.
{عَزِيزٌ غَفُورٌ}: تعليل لوجوب خشية، أيْ: خشوه لأنّه:
عزيز: قوي لا يُغلب ولا يُقهر وممتنع له العزة جميعاً والشّرف عزة القوة والمنعة والقهر والغلبة والقادر على عقوبة العصاة وقهرهم وأخذهم أخذ عزيز مقتدر.
غفور: لمن تاب وأناب إليه وغفور صيغة مبالغة كثير المغفرة، وتعني: محو الذّنوب وترك العقوبة, وغفور: تدل على دوام الغفران أو المغفرة, وغفار: تدل على التجدد والتكرر, وغفار وغفور: صيغ مبالغة تدل على كثرة الغفر أو المغفرة مع قدرته تعالى على منحها أو منعها.