سورة يونس [١٠: ٨٨]
{وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ}:
كان هذا دعاء موسى على فرعون، وملئه بعد أن تبيَّن له أنّهم مصرون على الكفر، والجحود، وإنكار الرّسالة.
{رَبَّنَا إِنَّكَ}: إنك: إن: حرف مشبه بالفعل؛ للتوكيد.
{آتَيْتَ}: الإيتاء: هو العطاء الممكن أن يُستَردُّ من صاحبه؛ أيْ: إيتاء من دون تملك، أمّا العطاء فهو يعني تملك. ارجع إلى الآية (٢٥١) من سورة البقرة.
{زِينَةً}: الزّينة: هي ما يُتزيَّن به من الحلي؛ كالذهب، والفضة، واللباس، والأثاث، والزّخرف، والأموال.
{رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ}: ليضلوا: اللام: لام التّعليل.
{عَنْ سَبِيلِكَ}: عن دينك، وكيف يقول موسى: آتيت فرعون وملأَه {زِينَةً وَأَمْوَالًا فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ}: حقيقة هل أعطاهم الله المال؛ ليضلوا؟! طبعاً لا، ولكن فتنة لهم، وهم الّذين اختاروا الضّلال، وجحدوا النِّعمة، وأضلوا غيرهم، وبذروا تبذيراً.
{رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ}: والطّمس: المحق، والإزالة، أو تغير الصّورة؛ لأنّها كانت وسيلة إضلال، والطّمس قد يعني: المسخ، والتّشويه؛ حتّى لا يصح لها قيمة ولا ينتفع بها. قيل: سبائك الذّهب تحولت إلى حجارة.
{وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ}: أيْ: أحكم الأربطة على قلوبهم؛ أي: اطبع، أو اختم على قلوبهم؛ فلا يدخلها إيمان، ولا يخرج منها كفر.
{فَلَا يُؤْمِنُوا}: الفاء: للتوكيد.
{حَتَّى}: حرف غاية نهاية الغاية.
{يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ}: قيل: العذاب الأليم: هو الغرق؛ فقد استجاب له ربه، وكان غرق فرعون وجنوده في البحر، وقيل: كان موسى يدعو وهارون يؤمن؛ لقوله بعد ذلك: {قَدْ أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [يونس: ٨٩].
وقد يسأل البعض كيف يدعو موسى على قومه هذا الدّعاء بعدم الهداية، والإيمان، وهو نبيهم، والرّد على هذا: أنّ موسى -عليه السلام- لم يدعُ بهذا إلا بعد أن أُوحي إليه أنّه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن، كما حدث لنوح -عليه السلام- أيضاً عندها قال: {رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} [نوح: ٢٦].