سورة الأعراف [٧: ١٧٢]
{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِى آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ}:
{وَإِذْ}: أيْ: واذكر إذ، أو اذكر حين أخذ ربك من بني آدم.
{مِنْ بَنِى آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ}: الذرية: هم النسل، الأولاد، والبنات، والذرية تكون جمعاً، وتكون واحداً.
وبنو آدم: هم أولاد آدم، من لدنه إلى أن تقوم الساعة.
لفهم وتفسير هذه الآية تحتاج إلى الاستعانة بالإعجاز العلمي للقرآن.
فكيف يأخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم؟ بالتزاوج، والإخصاب، والتناسل الذي يتم بالإلقاح، الحيوان المنوي الخارج من الخصية، والبويضة الخارجة من المبيض، وما يتلو ذلك من تطورات في عالم الجنين، ودلت اكتشافات العلم الحديث: أن الخصية التي هي مصدر الحيوان المنوي، والمبيض الذي هو مصدر البويضة كلاهما ينشأ من الخلايا الوريقة المتوسطة التي هي واقعة في المنطقة التي هي ظهر الجنين، إضافةً إلى خلايا الوريقة الخارجية، والداخلية التي تشكل الجنين، وبدلاً من القول: الخصية، أو الحيوان المنوي، والمبيض، والبويضة، أو أعضاء التناسل، قال: الظهر؛ لأن الوريقة الوسطى التي نشأت في الظهر؛ شكلت الأعضاء التناسلية، فاختصر كل ذلك بقوله: {مِنْ ظُهُورِهِمْ}، وقال: {مِنْ ظُهُورِهِمْ}، ولم يقل: (من ظهر آدم)؛ لأن الكل أُخرجوا من ظهره، فاستُغني عن ذكر آدم؛ لأن الكل يفهم أن آدم هو الأصل، وكل إنسان يعلم أنه خلق من ظهر أبيه، وأمِّه، وأبوه وأمُّه كانوا في ظهور آبائهم، وأمهاتهم، وهكذا حتى آدم، فكل إنسان في الحقيقة يحمل ذرة، أو ذرات من آدم، وهذه الذرات تسمَّى: الجينات، والمحفظة الوراثية، والحمض النووي المسمَّى (دي، ن، أي).
وهذه الجينات، والمورثات التي عندنا؛ انتقلت إلينا بطريقة الوراثة؛ فهي قد تشكلت في العهد الأول حين خلق الله تعالى آدم، وشهدت بأن الله ربّها، وخالقها، وأنه لا إله إلّا هو لا شريك له، حين عرض الله تعالى على آدم الأمانة؛ فقبل أن يحملها، وهذا يسمَّى عهد الذر، أو العهد الذري.
فكل ذرة أو خلية في جسم الإنسان (المؤمن، والكافر، والصالح، والطالح) تؤمن بالله، ولكن الله سبحانه أعطى الإنسان القدرة على التحكم بهذه الخلايا، أو الذرات، أو الجزيئات حتى يأتي يوم القيامة، وتشهد له، أو تشهد عليه، فالمؤمن الصالح ذرات جسمه متوازنة مطمئنة منسجمة؛ لأنها تعمل حسب الفطرة التي خلقت عليها، بينما ذرات الكافر، أو المشرك غير متوازنة، تعمل بما يأمرها صاحبها، وهي كارهة للقيام بذلك، فتراه غير مطمئن، وغير متوازن، ويخاف أن تسأله عن الله سبحانه، أو دِينه.
{وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ}: أقررهم ألست بربكم: استفهام تقرير.
والله سبحانه قادر أن يخاطب أي شيء من خلقه، وقادر أن يخاطب الذر، ويخاطب كل ذرة خلقها؛ لتشكل آدم، وتكون كالأم، أو المحفظة الوراثية بلغة العلم الجيني، وبالتالي تنتقل بالوراثة إلى ذرية آدم، فرداً فرداً إلى أن تقوم الساعة، وتتمثل هذه كذلك في الفطرة البشرية، السليمة، المسلمة لربها.
الفطرة التي تقر بأن لها رباً خالقاً، وكما ورد في الحديث الشريف: «كل مولود يولد على الفطرة».
{قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا}: فهذه الذرات، وبالتالي الجينات الوراثية شهدت أن خالقها هو الله؛ بقولها: بلى شهدنا أنك إلهنا، وأنه لا إله إلا أنت؛ فكانت هذه شهادة الوحدانية في العهد الفطري، أو عهد الذر.
{أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ}:
{أَنْ تَقُولُوا}: أن: مصدرية (أو مفسرة)؛ للتعليل والتوكيد. ارجع إلى آية (١٦٩).
{إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ}: أيْ: أخذنا عليكم هذا العهد حتى لا يكون لكم علينا حُجَّة يوم القيامة بأنكم لم تُبَلَّغوا بأنه إله واحد أحد، أو ليس لكم إله، أو رب. ارجع إلى سورة البقرة، آية (٧٤)؛ لمزيد من البيان في معنى غافلين.