للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سورة الأنعام [٦: ١٢٨]

{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَامَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِنَ الْإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُم مِنَ الْإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِى أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ}:

{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ}: ويوم القيامة يحشرهم في أرض المحشر، والحشر هو السوق والجمع.

{جَمِيعًا}: الجن، والإنس؛ أي: الثقلان، وغيرهم.

وانتبه إلى كلمة {وَيَوْمَ}: التي جاءت منصوبة بالفتحة؛ أيْ: منصوبة بمحذوف تقديره: واذكر يوم يحشرهم جميعاً، أو يوم يحشرهم يقول: {يَامَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِنَ الْإِنسِ}.

{يَامَعْشَرَ الْجِنِّ}: يا: أداة نداء، المعشر: تعني: الجماعة المختلطة، اختلاط تعايش، ومعاشرة، والمعشر: قد تطلق على أصحاب حرفة معينة، يا معشر العلماء، يا معشر التجار.

{يَامَعْشَرَ الْجِنِّ}: هنا معشر الجن: هم الشياطين، وغيرهم من الجن.

{قَدِ اسْتَكْثَرْتُم}: أيْ: أخذتم الكثير من الإنس؛ لكي يصبحوا أتباعاً لكم، وأولياء، استكثر: أخذ الكثرة.

{وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُم مِنَ الْإِنسِ}: أيْ: أتباع الجن من الإنس.

{رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ}: أي: انتفع بعضنا ببعض، والاستمتاع: هو النفع، والخدمة الذي تصاحبه اللذة.

أي: انتفع الإنس بالشياطين من الجن؛ إذ دلوهم على الشهوات، والمعاصي، وتلذذوا بها، أو لعبوا دور الكهنة، والعرافين، وانتفع الجن بالإنس؛ إذ جعلوهم أتباعاً لهم وأولياء، وهو استمتاع مخالف لمنهج الله تعالى.

{وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِى أَجَّلْتَ لَنَا}:

أي: استمر استمتاع بعضنا ببعض؛ حتى جاء أجلنا (الموت)؛ فإنهم يعتذرون إلى ربهم.

{قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ}:

{قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ}: والمثوى؛ يعني: مكان إقامتكم الدائمة، والإقامة القسرية الجبرية؛ كالسجن في مكان ضيق، مطبق عليهم، لا يستطيعون الحركة، أو القيام بأي شيء.

{خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ}: إلا: أداة استثناء.

{إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ}: قد يعني: قسم من هؤلاء من أصحاب النار، بعد أن يعذبوا فيها زمناً حسب ذنوبهم وآثامهم، يخرجون منها بعد تطهيرهم من ذنوبهم؛ كهؤلاء الذين في قلوبهم شيء من الإيمان، والتوحيد، ولا إله إلا الله من الإنس، ولم يغفر اللهُ لهم، فلا بُدَّ لهم من الدخول في النار.

{إِنَّ}: للتوكيد.

{رَبَّكَ حَكِيمٌ}: بتدبير شؤون خلقه، وحكيم في قضائه، وحكمه، لا يفعل شيئاً إلا بحكمة، فهو أحكم الحاكمين، وأحكم الحكماء.

{عَلِيمٌ}: بالكفار، وأعمالهم، وبعباده عامة، وبمن يستحق هذا العذاب، ونراه هنا قدَّم {حَكِيمٌ} على {عَلِيمٌ}؛ لأن السياق في الجزاء، والعمل؛ فقدَّم {حَكِيمٌ} في الجزاء، لا يظلم أحداً مثقال ذرة، ولو كان السياق في العلم، والمعرفة؛ لقدَّم العليم على الحكيم، كما سنرى في سورة يوسف آية (٦, ٨٣, ١٠٠).