للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سورة البقرة [٢: ٢٥١]

{فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ}:

{فَهَزَمُوهُمْ}: الفاء: للتعقيب، والترتيب، والمباشرة؛ أي: هزموا جالوت وجنوده في أرض المعركة.

{بِإِذْنِ اللَّهِ}: ارجع إلى الآية (٢٤٩) للبيان.

{وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ}: كيف قتل داود جالوت لم يذكره الله تعالى لنا؛ لعدم فائدته المهم انتصر طالوت وجنوده على جالوت وجنوده، وانتهت المعركة.

وظهر اسم داود لأول مرة في هذه المعركة.

{وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ}: {وَآتَاهُ}: أي: آتى الله داود {الْمُلْكَ}: أي: أنعم عليه بالملك؛ أي: الحكم بعد موت طالوت.

{وَالْحِكْمَةَ}: قيل: النبوة، والزبور.

الفرق بين الإيتاء والعطاء:

ـ الإيتاء: ليس فيه تمليك يمكن أن ينزع، أو يُسترد.

ـ العطاء: فيه تمليك لا ينزع.

ـ الإيتاء: يكون في الأمور العامة المعنوية، أو الحسية المادية، والمهمة، ويكون في الرّحمة، والنبوة، والكتاب، والحكمة، وغيرها.

ـ العطاء: يكون في الأمور المادية، والحسية، والمالية.

ـ الإيتاء: أعم من العطاء (فهو يشمل العطاء وغيره).

ـ العطاء: أخص من الإيتاء.

{وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ}: قيل: صناعة الدروع كما قال تعالى: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِنْ بَأْسِكُمْ} [الأنبياء: ٨٠]، وعلمه الزبور: {وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ} [ص: ٢٠].

{وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ}: الواو: استئنافية، لولا: حرف امتناع لوجود.

الدفع: معناه الردُّ: يدفع الله أناساً بأناس، ومنه سُنة التدافع، يدفع بالقلة المؤمنة الكثرة الفاسدة، ولولا مشروعية الجهاد والدفاع لاستولى أهل الكفر والفساد على الأرض بالظلم والشرك.

ولكن الله يدفع المؤمنين ليقاتلوا الكافرين، ويعذب الكافرين بأيدي المؤمنين.

فالذي يعمر الكون هو أن توجد فيه قوى متكافئة، أو فئة ضد فئة، أو حزب ضد حزب.

{وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ}؛ أي: الله يدفع، ولكن بأيدي خلقه بعضهم بعضاً المؤمن بالكافر، والقوي بالضعيف، والعادل بالظالم، والمصلح بالمفسد، والغني بالفقير، وأهل المعروف بأهل المنكر. النّاس: ارجع إلى الآية (٦) من نفس السورة للبيان.

{لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ}: اللام: لام التّوكيد، فسدت الأرض؛ أي: انتشر الفساد، وعمَّ فيها.

والفساد لغة: هو الخروج عن حد الاعتدال، والاستقامة، والفساد: نقيض الصلاح، وهو الاستقامة على ما تدعو إليه الشريعة والحكمة.

اصطلاحاً: انفلات الفرد، أو المجتمع عن ضوابط الشّرع؛ أي: عن منهج الله تعالى، والفساد يكون في التشريع، والشرك، والكفر، والبدع، أو التوجيه، والتربية، والأخلاق، والقتل، والسرقة، والحرابة، وإهلاك الحرث والنّسل، والعثو: هو كثرة الفساد، أو أشد الفساد، وأما الغي: يكون عادة في فساد الاعتقاد، والمذهب.

{وَلَكِنَّ اللَّهَ}: لكن: حرف استدراك وتوكيد.

{ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ}: ذو فضل تكرماً منه، ومنة على العالمين بأن حد من الفساد، وأتاح لعباده المؤمنين أن يقيموا شعائر دينهم ويعبدوا ربهم ويتقوا شر المفسدين.

لنقارن آية البقرة: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ}.

مع الآية (٤٠) من سورة الحج: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا}.

آية البقرة: تتحدَّث عن حفظ الأمن في الأرض بحيث لا تستبد قوة حاكم طاغية بكل الدول الأخرى، وتسيطر على العالم كله، أو يسيطر الكفار على المؤمنين.

أما آية الحج: تتحدث عن حفظ دور العبادة، والصلاة؛ بحيث لا تهدم، أو تدمر بقوة ما…