للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سورة البقرة [٢: ١٩٦]

{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْىِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْىُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْىِ فَمَنْ لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِى الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}:

مقدِّمة: كان الحج معروفاً منذ زمن إبراهيم -عليه السلام- ، وبقي في عهد كلّ الأنبياء من بعده، وكان الحج مشوباً بأعمال الشّرك والبدع، وانتبه إلى أنّ هذه الآية: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}: نزلت في السّنة السادسة من الهجرة، وفيها معنى الإتمام إذا شرع في القيام بالحج والعمرة سابقاً، ويحب الإتمام، ولكن هذا الشّروع في الحج والعمرة لم يُبين، أو تعني عليكم بأداء الحج والعمرة، والإتيان بالأركان والشروط كاملة والمناسك، كما سنرى.

ولما نزلت الآية: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}: في السّنة التّاسعة من الهجرة دلَّت على فرض الحج ووجوبه، ولم يبادر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الحج في السّنة التّاسعة «سنة نزول هذه الآية»؛ لأنّ المشركين كانوا لا يزالون يحجون في ذلك العام، وكانوا يطوفون عراة، كما سنرى في سورة الأنفال الآية (٣٥).

ولذلك أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبا بكر، وعليّاً بالذّهاب في ذلك العام، وإنذار المشركين بأنهم لن يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا أي: العام التّاسع، كما جاء في قوله: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: ٢٧].

{الْحَجَّ}: في اللغة القصد، وفي الشّرع: التّعبد لله -سبحانه وتعالى- بأداء المناسك على ما جاء في سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

{وَالْعُمْرَةَ}: في اللغة: الزّيارة، وفي الشّرع: التّعبد لله بالطّواف بالبيت، وبالصّفا والمروة، والحلق، أو التّقصير.

والحج فرض بالكتاب والسّنة، وإجماع المسلمين، ومنزلته في الدّين أنه أحد أركان الإسلام، واجب مرة واحدة في العمر لمن توافرت له شروط الوجوب.

والعمرة: اختلف العلماء هل هي واجبة، أو سنة، والّذي يظهر أنّها واجبة.

{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}: {وَأَتِمُّوا}: اختلفوا في معنى إتمامها، فقالوا الإتمام:

ـ هو أن يتمهما بمناسكهما، وحدودهما، وسننهما هو قول ابن عبّاس -رضي الله عنهما- وغيره.

ـ أتموها بإخلاص دون قصد دنيوي من تجارة، أو حاجة أخرى.

ـ أتموها أي: إذا شرع في أحدهما العمرة والحج لم يفسخه حتّى يتم وإذا نسي شعيرة يأتي بها.

ـ قد يعني إتمامهما التّمتع يقوم بالعمرة ويتمها، ويتحلل، ثمّ يحرم من مكة، ويتم الحج.

{لِلَّهِ}: اللام: لام الاختصاص، والاستحقاق، خالصة لله وحده.

{فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْىِ}: الإحصار: أي: عرض لكم شيء يكون سبباً لفوات الحج، أو مانعاً يمنع من الوصول إلى البيت الحرام، والإحصار بسبب أمر عارض مفاجئ غير متوقع بسبب عدو أو خطر، أو عدم الأمن، أو الإرهاب، أو انتشار مرض معدٍ أو وباء, وأما إذا كان بسبب الحبس يقال عندها حُصرتم؛ فالحصر: هو الحبس مع التضييق.

{فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ}: إن: شرطية تفيد الشّك في وقوع ذلك. {أُحْصِرْتُمْ}: من الأحصار؛ أي: منعتم من إتمام الحج والعمرة عندها تحلَّلوا وعليكم ما استيسر من الهدي.

{فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْىِ}: الفاء: رابطة لجواب الشرط، {الْهَدْىِ}: ما يتم ذبحه تقرباً من الله، أو كفارة عما حدث من خطأ، والهدي: قد يكون من الإبل، أو البقر، أو الغنم يذبح ويفرَّق على الفقراء.

{وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْىُ مَحِلَّهُ}: أي: لا يجوز حلق الرّأس، أو التّقصير حتّى ينتهي من عرفات، ومزدلفة، وينزل إلى منى يوم العيد، وأما في حالة الإحصار والمنع من الوصول إلى مكة، وإتمام مناسك الحج فعندها ينحر هديه في مكان الإحصار، وهو الرّأي الغالب.

{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}: أي: من تحلل من الإحرام بسبب مرض، أو أذى من رأسه «آفة أو قمل…» عليه فدية وهو مخيَّر بين صيام ثلاثة أيام، أو إطعام (٦) مساكين، أو نسك «هدي؛ أي: ذبيحة»، هذه الثّلاثة الأمور مرتبة ترتيباً تصاعدياً حسب الطّاقة، والاستطاعة.

فالصّيام لا يتعدَّى النّفع فيه إلى الغير، وأما الصّدقة فمحدودة بـ (٦) مساكين، أما النّسك أو الذّبيحة فينتفع بها الجميع، أمّا الذّبح فيتم في مكة، وفي أيامنا هذه لا يقوم الحاج بالذّبح، بل يكلف الجمعية المخصصة لهذا العمل بالقيام به، وهو فقط يدفع الثّمن، وهنا حذف المعطوف، وأصل الآية فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه فحلق ففدية من صيام، أو صدقة، أو نسك.

{فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْىِ}: فإذا: الفاء: للتوكيد، إذا: شرطية تدل على حتمية الحدوث، {أَمِنتُمْ}: من العدو، أو الإحصار «أو انتهى الإحصار»، {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ}: أي: وأتم العمرة، وتحلل بعدها «هذا يسمى التّمتع»، ويبقى في مكة متمتعاً إلى يوم التّروية «اليوم الثّامن» بدء أعمال الحج فعليه ذبح هدي يذبحها يوم النّحر، «ويتم هذا عن طريق الدفع للجمعيات المسؤولة، كما ذكرنا».

{فَمَنْ لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِى الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ}: {فَمَنْ}: الفاء: عاطفة، من: شرطية، لم يجد هدي «أو ثمنه» عندها يصوم ثلاثة أيام في الحج قبل يوم التّروية «أي: قبل اليوم الثّامن»، وسبعة أيام بعد العودة إلى بلاده، وقوله تعالى: تلك عشرة كاملة: إشارة إلى الثّلاثة والسّبعة، ونحن نعلم أنّ (٣+٧=١٠) للتأكيد على فعل ذلك، إذن صيام (١٠) أيام يعادل كمن ذبح، والأجر واحد.

{ذَلِكَ لِمَنْ لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}: {ذَلِكَ}: اسم إشارة؛ يعني: صيام عشرة أيام (ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجعتم)، لمن كان من غير أهل مكة «أهله حاضري المسجد الحرام؛ أي: مقيمين بمكة»، أما إن كان من أهل مكة، وتمتع بالعمرة، أو أقرن بالحج فليس عليه هدي، ولا صيام، وحدود المسجد الحرام تقدر بـ (١٢) ميلاً، فمن أقام داخل هذه المسافة لا يلزمه ذبح، ولا صوم؛ لأنّ المقيمين حول المسجد الحرام «أهل مكة»، طوافهم دائم، وهذا يغنيهم عن العمرة.

{وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}: {وَاتَّقُوا اللَّهَ}: أطيعوا أوامر الله، واجتنبوا نواهيه، {وَاعْلَمُوا}: علم اليقين، {أَنَّ اللَّهَ}: للتوكيد، {شَدِيدُ الْعِقَابِ}: العقاب من التّعقيب، والعقاب هو الجزاء على الجرم، أو المعصية، أو الذّنب، والعقاب يحدث بعد الذّنب مباشرة يعاقب عليه في الدّنيا، أما العذاب فقد يؤخر إلى الآخرة، أو يحدث في الدّنيا؛ لماذا هذا التّهديد؛ لأنّ هناك من يتقاعس، أو يحاول التّعجل عن إتمام حجه، أو عمرته مستوفياً لكلّ مطلوبات المشرع في الحج والعمرة.