أخرج البخاري رحمه الله في «صحيحه»: حدثنا سعيد بن أبي مريم، أخبرنا محمد بن جعفر، أخبرنا حميد بن أبي حميد الطويل: أنه سمع أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: «جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم-، يسألون عن عبادة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلما أخبروا كأنهم تقالوها، فقالوا: وأين نحن من النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ قد غفر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا؛ فإني أصلي الليل أبداً، وقال آخر: أنا أصوم الدهر، ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء؛ فلا أتزوج أبداً، فجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إليهم فقال: أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله! إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء؛ فمن رغب عن سنتي فليس مني»، فنزلت هذه الآية؛ لتبين لهم الصواب.
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}: نداء إلى الذين هم على درب الإيمان، والهاء: للتنبيه.
{لَا}: الناهية.
{تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ}: الطيبات: جمع طيب، والطيب الطاهر اللذيذ الطعم المستساغ للنفس هو والحلال ما أحله الشرع وأباحه، وتشمل: الأطعمة، والأشربة، والنساء، أمّا التحريم والتحليل؛ فإنما موكول إلى الخالق، وليس لكم أن تحرموا، أو تحلِّلوا، كما تريدون. ارجع إلى الآية التالية (٨٨) في نفس السورة لمزيد من البيان.
{وَلَا تَعْتَدُوا}: لا: الناهية.
وتكرار (لا): لتوكيد النفي؛ أيْ: لا تتعدوا حدود الله فيما أحلَّه الله لكم إلى ما حرَّمه، ولا تسرفوا في تناول الطيبات.
والاعتداء: هو تجاوز الحد، فيما حرَّم الله، أو فيما حلَّله، مثل: أكل لحم الميتة، أو الخنزير من دون اضطرار وشدة، أو تحرموا الزواج، أو تصوموا صيام الوصال؛ أيْ: كل يوم من أيام السنة، أو تحرِّموا أكل اللحوم؛ للزهد.
{إِنَّ}: للتوكيد.
{اللَّهَ لَا}: النافية.
{لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}: المتجاوزين لحدود الله، الذين يحرِّمون ما أحلَّ الله تعالى؛ كالبحيرة، والسائبة، والوصيلة، والحام، أو يحلون ما حرَّم الله تعالى. ارجع إلى الآية (١١٣) من نفس السورة.