للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سورة البقرة [٢: ١٦٥]

{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ}:

{وَمِنَ}: الواو: عاطفة. من: ابتدائية (بعض) النّاس. ارجع إلى الآية (٢١) من سورة البقرة للبيان.

وكلمة النّاس: لا تدل على عدد معين، وليست محدودة، وقد تشمل كل النّاس، وكلمة النّاس فيها معنى النوس؛ أي: الحركة، والحركة يتصف بها الجن والإنس.

{مَنْ}: اسم موصول، يتخذ: من أفعال التحويل والتصيير، اتخذ وتَخِذَ بمعنى واحد، أو أصل واحد، ويختلف معناهما عند أخذ اتخذ على وزن افتعل. فيها معنى التكلف، والجهة والمشقة، كما نرى في أفعال الشر تنفذ بمشقة وصعوبة وجهد، مقارنة بأفعال الخير تنفذ بسهولة، واتخذ فيها معنى الاختيار، والاصطفاء، وليس فيها معنى القهر، والجبر، وكذلك فيها معنى الاستمرار.

{مِنْ دُونِ اللَّهِ}: بمعنى من غير، أو سوى، وأصلها ظرف مكان بمعنى تحت.

{أَندَادًا}: جمع ند، والتناد تعني: التنافر، والتضاد، وقد تعني: المثل (كل من هو مثل)، فكل ند هو مثل، وليس كل مثل ند، وتعني: الشركاء، مثل الأوثان، والأصنام، والطاغوت، والرؤساء. ارجع إلى الآية (٢٢) من سورة البقرة لمزيد من البيان.

{يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ}: الحب من الأعمال القلبية؛ أي: تعلق القلب أو الميل إلى الخير أو الشر، والحب له أنواع، منها حب عبادة، أو حب شهوة، وغريزة، أو حب مصلحة ومنفعة، حب عطف ورحمة.

يحبونهم؛ أي: يحبون آلهتهم، كما يحبون الله؛ أي: يحبون كِلا الأمرين يحبون الله، وفي نفس الوقت يحبون آلهتهم، والكاف للتشبيه، وتعني: يسوون بين الأنداد، وبين الله في المحبة، فيعظمون أندادهم، ويتوسلون إليهم، ويتقربون إليهم بالصدقات، والقرابين، ويقولون: هؤلاء شفعاؤنا عند الله، أو يقربونا إلى الله زلفى.

وجاء بصيغة المضارع؛ لتدل على تجدد الحب والاستمرار عليه.

{وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ}: من حب هؤلاء لأندادهم.

{وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ}:

{وَلَوْ}: شرطية. وجواب الشرط محذوف ليترك لكل ذي عقل أن يتصوره، ويتخيل شدته، وهوله؛ أي: لما أو حين اتخذوا من دون أنداداً، أو لا يعلمون أنّ القوة لله جميعاً.

{يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا}: يرى من الرؤية، والرؤية في اللغة على ثلاثة أوجه:

١ - الرؤية بمعنى العلم، يرى يعلم، كقوله: ونراه قريباً؛ أي: نعلمه قريباً.

٢ - الرؤية بمعنى الظن إنهم يرونه بعيداً؛ أي: يظنون بعيداً.

٣ - الرؤية بالعين رؤية بصرية.

{الَّذِينَ ظَلَمُوا}: أي: الّذين أشركوا (الظلم هنا الشرك) أن الحب لله: هو حب عبادة، ويجب أن يكون لله وحده، وإلا فهو شرك.

{إِذْ يَرَوْنَ}: إذ: ظرف زمان لما يستقبل من الزمان، (وقد يكون للماضي أحياناً)، وتسمى أحياناً إذ الفجائية؛ أي: يفاجَؤون بالعذاب؛ إذ يرون بعين اليقين يرون حالتهم عند رؤيتهم العذاب يوم القيامة، وقد سبق أن أنذروا به، وهم بالحياة الدّنيا؛ فلم يصدقوا ذلك.

{أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا}: أن: للتوكيد، توكيد القوة لله، وجميعاً لزيادة التّوكيد: أنّ القوة لله جميعاً، وليس لآلهتهم وشركائهم أي قوة، وأنها عاجزة عن دفع العذاب عنهم.

{الْقُوَّةَ}: القدرة، والمنعة.

{وَأَنَّ اللَّهَ}: أن: للتوكيد شديد العذاب.