للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سورة الحج [٢٢: ٣٩]

{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ}:

قال كثير من المفسرين: إنّ هذه هي أوّل آية نزلت في إباحة القتال (الجهاد) ونزلت في المدينة بعد أن أُخرج الرّسول -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه من مكة إلى المدينة وتركوا ديارهم وأموالهم.

ما هو الفرق بين الجهاد والقتال؟ الجهاد: يشمل قتال الأعداء، ويشمل: جهاد النفس، والشيطان، وجهاد المنافقين.

والجهاد: يكون بالقوة، والحرب، والمال، والنفس، واللسان، والبيان، والحجة، والقلب، وتحمل الأذى، والصبر.

فالجهاد: أوسع من القتال، فالقتال: الجهاد بالسيف، أو القوة، ويعني: الدفاع، وقتال الكفار والمشركين، والجهاد كله بكل أنواعه هو في سبيل الله، ومنه جهاد في الله وفيما أمر أو قدر، وأعظم الجهاد جهاد النفس، وطاعة الله، وسياق الآيات يوضح لنا نوع هذا الجهاد.

والقتال: هو الدفاع عن الدين، والمال، والعرض، والنفس أمام أي عدو كان.

وكما قيل: نزلت هذه الآية بعد نزول أكثر من سبعين آية تنهى المؤمنين عن الجهاد والقتال وتحثهم على الصّبر. وقال جماعة آخرون: إنّ أوّل آية نزلت في القتال هي: {وَقَاتِلُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} [البقرة: ١٩٠]، وهناك من قال: إنّ أوّل آية هي: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ} [التوبة: ١١١]، وقد بيّن بعض المفسرين أنّ تشريع القتال والجهاد كان بالتّدرج كما حدث مثلاً في تحريم الخمر، حيث القتال والجهاد أمرٌ شاقٌّ على النّفوس، وقيل: مرّت فرضية الجهاد بمراحل نذكر منها:

١ - هناك الكثير من الآيات تحثّ على الصّبر وعدم القتال والعفو كقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [النساء: ٧٧].

٢ - ثمّ جاءت آيات مثل: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُّؤَجَّلًا} [آل عمران: ١٤٥].

٣ - ثمّ الإذن بالقتال بغير إيجاب الفرض {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ} [الحج: ٣٩].

٤ - ثمّ الإيجاب؛ أي: أوجب القتال وأصبح فرضاً {وَقَاتِلُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا} [البقرة: ١٩٠].

{أُذِنَ}: رُخص أو أُبيح.

{لِلَّذِينَ}: اللام لام الاختصاص.

{يُقَاتَلُونَ}: وهم: النّبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه (ويستثنى منهم الأعمى والأعرج والمريض)، أُذن لهم أن يدافعوا عن أنفسهم.

{بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا}: الباء: للتعليل أو السّببية، أنّهم ظُلموا من قبل الكفار والمشركين من أهل مكة، حيث استمروا في إيذاء المؤمنين والتّصدي لهم بالاضطهاد والسوء.

{وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ}: (إنّ) واللام في كلمة (لقدير) تفيدان التّوكيد؛ أي: سبحانه قادر على نصر المؤمنين المستضعفين، وقدير: صيغة مبالغة؛ أي: كثير القدرة أو عظيم القدرة، لا يعجزه شيء في السّموات ولا في الأرض وهو القوي العزيز.