للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سورة النحل [١٦: ٢٨]

{الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِى أَنفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}:

{الَّذِينَ}: اسم موصول؛ يفيد الذم.

{تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ}: ولم يقل: توفاهم الملائكة.

{تَتَوَفَّاهُمُ}: من الوفاة، وقيل: الوفاة: هي المرحلة الّتي تسبق قبض الرّوح (الموت)، وقد تطول هذه الفترة، أو تقصر ساعة، أو ساعات، أو أيّام، ويكون فيها المريض غيرَ واعٍ لما حوله في غيبوبة، وقد يكون على الأجهزة التّنفسية، أو القلبية، وغيرها الّتي تساعده حتّى تقبض روحه، ومرحلة الوفاة إذا بدأت لا رجعة منها، أما إذا كان المريض في غيبوبة، أو فاقداً وعيه، ثمّ عاد إلى الحياة الدّنيا؛ فهذه لا تعتبر مرحلة الوفاة الّتي نتحدث عنها، ولكن مرحلة الوفاة الحقيقية تبدأ برؤية الملائكة ملائكة الموت وبعدها تستمر إلى أن تقبض روحه، وهنا في هذه المرحلة قد يعذب الكافر، أو المشرك عذاباً شديداً، ويؤيد ذلك قوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ} [الأنفال: ٥٠].

{ظَالِمِى أَنفُسِهِمْ}: بالكفر، والشّرك، والضّلال، والظلم، والمعاصي؛ أي: الكبائر، أو الآثام، والذّنوب.

{فَأَلْقَوُا السَّلَمَ}: أي: الاستسلام، والخضوع، وأظهروا الطّاعة، وأقروا بالرّبوبية، والوحدانية، وذلك حين أدركوا الحقيقة، وهم في سكرات الموت. ألقوا السّلم: قيل: حين يرون الملائكة في مرحلة الوفاة الّتي تسبق قبض الأرواح، أو يوم القيامة، وما داموا ألقوا السّلم؛ فهذا يدل على أنّهم كانوا في حرب مع الله ورسوله وأنفسهم؛ لمخالفتهم لمنهج الله تعالى، وهم اليوم يلقون أسلحتهم مستسلمين لله تعالى كما يلقي الأسير سلاحه أمام عدوه.

{مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ}: ما: النّافية.

{كُنَّا}: في الدّنيا نعمل من سوء؛ من: كفر، وتكذيب، وشرك، ومعاصي؛ أيْ: هم جحدوا، وأنكروا ما كانوا عليه كقولهم: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام: ٢٣].

{مِنْ}: استغراقية.

{بَلَى}: حرف جواب تختص بوقوعها بعد النفي فتجعله إثباتاً؛ أيْ: تؤكد الّذي كانوا يعملون من السّوء؛ أيْ: بل عملتم السّوء.

{إِنَّ}: إنّ: للتوكيد.

{عَلِيمٌ}: صيغة مبالغة؛ أيْ: كثير العلم، بما كنتم في الدّنيا تعملون من سوء؛ تعني: يعلم كلّ أعمال السّوء الّتي قمتم بها.

{بِمَا}: والباء: للإلصاق؛ ما: حرف مصدري، أو اسم موصول؛ بمعنى: الّذي، وأوسع شمولاً من الذي

{كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}: في الدنيا. تعملون: تشمل الأقوال والأعمال.

لنقارن بين هذه الآية: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِى أَنفُسِهِمْ}.

والآية (٩٧) من سورة النّساء: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِى أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِى الْأَرْضِ}.

الذين تتوفاهم في سورة النّحل: تدل على أن عددهم أكثر من الّذين توفاهم في سورة النّساء، وتدل على الظلم العام بكل أنواعه، ومنه الشرك، وظلم الغير.

أما آية سورة النّساء: فتدل على عدد الّذين توفاهم الملائكة أقل، وظلمهم كان بعدم قدرتهم على الهجرة؛ ظلم جزئي مقارنة بظلم المذكورين في آية النّحل (الظلم العام).

فاستخدم تتوفاهم للعدد الأكثر، وتوفاهم للعدد الأقل (تاء واحدة).