للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سورة يونس [١٠: ١٢]

{وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}:

{وَإِذَا}: إذا: ظرف زماني؛ يدل على كثرة الحدوث، وحتمية الوقوع.

{مَسَّ الْإِنسَانَ الضُّرُّ}: مس: المس: هو الإصابة الخفيفة (الطّفيفة) مجرد المس الّذي هو دون اللمس.

{الضُّرُّ}: هنا معرف بأل التّعريف، يعني: سوء الحال والمرض. والضُّرُّ: أشد من الأذى، ويكون في النفس وغيرها، وهناك فرق بين الضُّر بضم الضاد، والضَّر بفتح الضاد الذي ضد النفع.

{دَعَانَا لِجَنْبِهِ}: لجنبه؛ أيْ: مضطجعاً على جنبه؛ أيْ: دعانا وهو مضطجع، وهو ملازم لجنبه، أو نائماً على جنبه. دعانا لجنبه: اللام: لام الاختصاص (لجنبه الدّالة على حالة ضره)، وقدَّم الجنب؛ لأنّ الإنسان في حالة المرض أكثر ما يلازم جنبه (أيْ: حالة الاضطجاع).

{أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا}: ثمّ قاعداً (أو قاعداً)؛ أيْ: جالساً، ثمّ القيام، والقيام يدلّ على تحسن حاله، ونرى عكس هذه الآية في الترتيب الآية (١٩١٩) من سورة آل عمران وهي قوله تعالى: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ}.

{دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا}: تشمل جميع أحواله حين المرض، فحين يصاب بالمرض الشديد يلزم جنبه، ثم إذا تحسن حاله يقعد ويصلي وهو قاعد، ثم إذا تحسن يقوم ويصلي.

ولم يذكر حالة المشي؛ لأنّ الماشي عادة ليس به ضر.

{فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ}: فلما: الفاء: تدل على التّرتيب، والتّعقيب. لما: ظرفية زمانية؛ بمعنى: حين.

{كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ}: رفعنا، وأزلنا عنه ضُره، وهنا يشبَّه الضّر؛ كأنّه غطاء يغطي الإنسان، والكشف: هو رفع الغطاء، وإزالته، وهذا يشير إلى أنّ الضُّر أصاب الجسم كلّه، وليس عضواً واحداً.

{مَرَّ كَأَنْ لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ}: مر: كلمة تشير إلى أنّه حين لم يجد له معيناً غير الله لهم سبحانه راح يدعو الله سبحانه؛ حتّى يرفع عنه الضّر؛ فلما رفع عنه ضُره لم يعد يتذكر ما أصابه، وما دعا به، وعاد إلى ما كان عليه من عدم الإيمان، والكفر، ولم يتعظ، ولم يداوم على شكر الله، ويرجع عن ضلاله.

الكافر يدعو الله ساعة الضّر فقط، أما المؤمن: فهو يدعو ربَّه دائماً.

وقد وردت آيات الضّر بمعانٍ مختلفة:

في سورة الزّمر، الآية (٨): {وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ}.

في سورة النّحل، الآية (٥٣، ٥٤): {ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْـئَرُونَ ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ}.

فالضّر قد يمس الإنسان لوحده من دون الآخرين.

أو الضّر يمس الكلّ من دون استثناء.

{كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}: أيْ: هذه صفة وعادة المسرفين سابقاً ولاحقاً؛ إذا أصابهم الضّر دعوا ربهم منيبين إليه، ثمّ إذا كشف عنهم الضّر؛ عادوا إلى فعل المعاصي، والكفر، والشّرك؛ أيْ: مروا كأن لم يدعوا إلى ضر مسهم، وزيِّن: هنا مبني للمجهول، وهو الشّيطان: بالوسوسة، والضّلال، والعودة إلى الكفر، ما كانوا يعملون العمل يشمل الفعل، والقول؛ أيْ: ما كانوا يقولون ويفعلون، والمسرف تعم الكافر، والمشرك وغيره، وسمِّي الكافر مسرفاً؛ لأنّه أسرف في حق نفسه؛ فجعلها عبداً للأوثان، والأصنام، أو أسرف في كفره، واستمر على ذلك، أو استمر على فعل المعاصي، والكبائر.