سورة الأنعام [٦: ٥٠]
{قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِندِى خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّى مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَىَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ}:
المناسبة: بعد أن ذكر مهمة الرسل؛ مبشرين، ومنذرين، وبعد أن ذكر قول كفَّار مكة: {أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا} [الفرقان: ٨]، {يَسْـئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّى} [الأعراف: ١٨٧]، وقولهم: {لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ} [الأنعام: ٨].
فأنزل الله -جل وعلا- رداً على بعض أسئلتهم.
{قُلْ}: لهم يا محمد -صلى الله عليه وسلم-، ثلاثة أنباء:
أولاً: لا أقول لكم عندي خزائن الله، وهذه الخزائن مذكورة في سورة الحجر الآية (٢١)، وهي قوله: {وَإِنْ مِنْ شَىْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ}. ارجع إلى سورة الحجر، هي: النجوم السماوية التي يقدر عددها بالترليونات في كل مجرة من المجرات التي يتراوح عددها بين (٢٠٠. ٠٠٠) مليون مجرة، و (٥٠٠. ٠٠٠) مليون مجرة، وكل نجم من هذه النجوم هو فرن ذري جاهز لإنتاج ما يريده رب العالمين من معادن: كالذهب، والفضة، والحديد، والألماس، وغيرها من المعادن بكميات أكبر من الأرض، وفي هذه النجوم تتشكل كل المواد التي يحتاجها البشر فهي لا تنفد ولا تنقص.
ثانياً: ولا أعلمُ الغيبَ: الغيب: هو كل ما غاب عن البصر، والحواس، أو المدركات.
ثالثاً: ولا أقول لكم إني ملك؛ أيْ: من الملائكة.
وتكرار (لا) ثلاث مرات يفيد التوكيد، وفصل كل أمر عن الآخر، أو الكل معاً.
{إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَىَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ}:
{إِنْ}: نافية، وأقوى من النفي من (ما)؛ أيْ: ما أتبع إلَّا ما يوحى إليّ.
{إِلَّا}: تفيد الاختصاص والحصر.
{يُوحَى إِلَىَّ}: الوحي: هو الإعلام بالخفاء، {إِلَىَّ}: من ربي؛ أيْ: كل ما يُلقي إليَّ الله من تكاليف، وتعاليم دِينية، وآيات. ارجع إلى سورة النساء، آية (١٦٣)؛ للبيان.
وهو بذلك ينفي عن نفسه أيَّ صفة من صفات الألوهية، وهي ملكية الخزائن، وعلم الغيب، وكونه من الملائكة؛ أيْ: له طاقة، وقدرة تفوق القدرة البشرية.
{هَلْ يَسْتَوِى الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ}: هل: استفهام توبيخي، يستوي الأعمى: الضال، الكافر، أو المكذب بآيات الله تعالى، والبصير، المهتدي، المؤمن، والمصلح.
{أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ}: الهمزة: استفهام إنكاري على عدم تفكرهم، وتوبيخ على عدم استعمال عقولهم؛ أيْ: النظر فيما يوعظون به.
{أَفَلَا}: الفاء: فاء السببية؛ أي: ما قبلها سبب لما بعدها، ألا: أداة تنبيه، وحضٍّ، وتحمل معنى الأمر؛ أيْ: لم لا تتدبَّرون في هذه البراهين، والدلائل الدالَّة على وحدانية الله، وصدق رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وإن الله هو الإله الحق؛ الذي يستحق العبادة.
لنقارن هذه الآية مع الآية (٣١) من سورة هود.
في سورة الأنعام، الآية (٥٠): {قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِندِى خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّى مَلَكٌ}.
وفي سورة هود، الآية (٣١): {وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِندِى خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّى مَلَكٌ}؛ حذف لكم في سورة هود.
الاختلاف يعود أولاً:
١ - آية سورة الأنعام: هي قول رسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم-، وآية سورة هود هي ما قاله نوح -عليه السلام- .
٢ - زيادة لكم في آية سورة الأنعام؛ كانت رداً من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على قومه؛ الذين كانوا يسألونه عن كثير من المعجزات، ولذلك أضاف لكم؛ فيها توكيد، ولكم خاصة.
بينما نوح -عليه السلام- : لم يسأله قومه عن المعجزات التي سألتها قريشٌ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم-.