سورة البقرة [٢: ٢٥٥]
{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِى الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِى يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَىْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِىُّ الْعَظِيمُ}:
{اللَّهُ}: هو الاسم الأعظم الّذي تفرد به الحق سبحانه، واختصه لنفسه، وقدَّمه على سائر أسمائه.
هو الاسم الجامع لجميع صفات الكمال الإلهية، وكل اسم من أسمائه نعت له، فهو يدل على المعبود، ولا معبود إلَّا هو.
وورد ذكر اسم الله سبحانه في حوالي (٢٦٩٩) مرة في القرآن، وأكثر سورة ورد فيها ذكر اسم الله تعالى سورة البقرة، فقد ورد فيها (٢٨٢) مرة.
{لَا إِلَهَ إِلَّا}: لا: النّافية للجنس.
{إِلَهَ}: معبود بمعنى مألوه على وزن مفعول: لا معبود بحق في الوجود إلَّا هو.
{إِلَّا}: أداة حصر وقصر.
{هُوَ}: ضمير فصل يفيد التّوكيد.
وانظر إلى قوله: {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ}: فهي تفيد النفي، وتفيد الإثبات، فقوله: {لَا إِلَهَ}: تفيد النفي، {إِلَّا هُوَ}: تفيد الإثبات، أو تؤكد النفي.
{الْحَىُّ}: أي: الحي الذي لا يموت، والذي لا تأخذه سِنة ولا نوم كامل الحياة، ويتضمن ذلك ذاته، وعلمه، وعزته، وقدرته، وعظمته، وكبرياءَه. الحي الّذي لا يموت، الواجب الوجود، الباقي الدائم من أزل الأزل إلى أبد الأبد، والأزل هو دوام الوجود في الماضي، والأبد: هو دوام الوجود في المستقبل.
{الْقَيُّومُ}: قائم الوجود، القائم بذاته، وعظمته على الإطلاق، والمستغني عن خلقه، وعن غيره، القائم بتدبير خلقه، وحفظهم، والقائم على كل نفس بما كسبت.
دائم القيام، وكامل القيُّومية، ولا يقوم شيء إلَّا به، وهو سبب وقوام لكل ما عداه، قامت به السموات السبع، والأرض، وما فيهن؛ من مخلوقات، فهو الّذي أوجدها، وأمدها، وأعدها؛ لكل ما فيه بقاؤها، وصلاحها، وقيامها.
والقيُّوم: صفة مبالغة لقائم؛ أي: كثير القيام.
{لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ}:
{لَا}: النّافية لكل زمن (الماضي والحاضر والمستقبل)، والنافية للجنس، وتكرار (لا): لزيادة تأكيد النفي.
{تَأْخُذُهُ}: لا تعتريه، الأخذ: الغلبة، والاستيلاء؛ أي: لا يعتريه نوم، ولا يغلبه نعاس.
{سِنَةٌ}: أول ما يأتي من النعاس، كما في أول النوم، النوم الخفيف، ويبدو في العين والجفن.
{وَلَا نَوْمٌ}: السبات العميق، وعادة تسبق السِنة النعاس، وافتقاد السِنة أبلغ في التنزيه من النوم؛ لأنه سبحانه إذا لم تأخذه سِنة فلن يأخذه نوم.
أي: لا يغفل عن تدبر أمر خلقه أبداً؛ لأنه لا تأخذه سنة، ولا نوم؛ لأنّ النعاس، والنوم من صفات النقص، والله تعالى ذو الكمال المطلق، وكيف يكون قيُّوماً على السموات والأرض وتأخذه سنة ونوم.
{لَهُ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِى الْأَرْضِ}:
{لَهُ}: اللام: لام الاختصاص، والملكية، تقديم الجار والمجرور يفدي الحصر له وحده لا لأحد غيره.
{مَا}: تشمل العاقل، وغير العاقل، ما: المطلقة ما في السموات وما في الأرض عبيده، وفي ملكه خاضعون لمشيئته، وتحت قهره وسلطانه.
{مَا فِى السَّمَاوَاتِ}: في: ظرفية زمانية ومكانية، ما في السموات: كظرف ومظروف السموات، وما فيهن من خزائن.
{وَمَا فِى الْأَرْضِ}: وله الأرض وما فيها من كنوز، ومخلوقات وخيرات.
له ما في السموات، وما في خلقاً، وملكاً، وتصرفاً، وحكماً لا يشاركه أحد، ولا شريك له، فهو مالك الملك يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير.
{مَنْ ذَا الَّذِى يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ}:
{مَنْ}: ابتدائية.
{ذَا}: اسم استفهام.
{الَّذِى}: اسم موصول.
{يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ}: بإذنه: الإذن اسم للكلام الذي يفيد إباحة فعل أو قول، والإذن يكون أو يستعمل لفعل أو قول ليس لنا أي تدخل فيه كالشفاعة. ارجع إلى سورة الأنعام آية (٥١)، والنساء آية (٨٥).
{يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ}:
يعلم ما وراءهم، وما أمامهم، وما قدَّموا، وما أخَّروا؛ من عمل يعلم كل نفس ما قدَّمت وأخَّرت سبحانه هو الرقيب المحيط بخلقه، فهو الخبير البصير المحصي المبدئ المعيد السميع العليم، لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات، ولا في الأرض، ولا أصغر من ذلك، ولا أكبر، لا تخفى عليه خافية، عليم بذات الصدور.
يعلم ظواهر الأمور وبواطنها.
يعلم ما كان وما هو كائن، وما سيكون، وهو بكل شيء عليم.
وعنده مفاتح الغيب، ويعلم ما في البر والبحر، وما تسقط من ورقة إلَّا يعلمها، ولا حبة في ظلمات الأرض، ولا رطب، ولا يابس إلَّا يعلمه.
{وَلَا يُحِيطُونَ بِشَىْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ}:
{وَلَا}: الواو: استئنافية، لا: النّافية، {يُحِيطُونَ}: من الإحاطة، والإحاطة تعني: معرفة الشّيء من جميع جوانبه.
{بِشَىْءٍ}: الشّيء هو أقل القليل، شيء: نكرة؛ أي: مهما كان حجمه، وشكله، ولونه، ووزنه، وتكوينه، وبما أنّ علومنا قابلة للتغير، والتبديل، فلن نستطيع أنّ نحيط بأي شيء، ولو كان واحداً مهما بلغنا من العلم، كما يحيط به الله -سبحانه وتعالى- .
{إِلَّا بِمَا شَاءَ}: إلا: أداة استثناء؛ أي: لا يعلمون إلا ما شاء الله أن يعلمهم إياه.
{وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ}:
{وَسِعَ كُرْسِيُّهُ}: الكرسي قيل: هو السلطان، والقهر، والقدرة، والملكية.
وقيل: الكرسي العلم علمه ذاته.
وقيل: الكرسي: هو ما دون العرش، والكرسي: أوسع من السموات السبع والأرضين، وما السموات السبع بالنسبة للكرسي إلَّا كحلقة ملقاة في فلاة، وما السموات السبع والكرسي للعرش إلا كحلقة مرماة في فلاة. أخرجه الإمام أحمد في المسند.
{وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِىُّ الْعَظِيمُ}:
{وَلَا}: الواو: عاطفة، لا: النّافية.
{يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا}: يشق عليه، أو يثقله، أو يصعب عليه، حفظ السموات والأرض؛ أي: تدبيرهما، فالسماء الأولى تحوي مليارات المجرات داخلها مليارات المجموعات الشمسية ومجرتنا فقط تحتوي على (٢٠٠ مليار نجم).
{وَهُوَ}: ضمير فصل يفيد الحصر والتوكيد.
{الْعَلِىُّ}: علو الجلال والكمال، وعلو الذات، والصفات، والأسماء فوق مخلوقاته، أو ليس له مثيل في العلو في كل أمر، العلي عن خلقه علو القدر، والمنزلة، العلي عن الأشباه والأمثال، لا يعلوه شيء، ولا أحد له العلو المطلق من كل الوجوه.
{الْعَظِيمُ}: صيغة مبالغة من العظم في العز، والمجد، والكبرياء، والكمال، العظيم لا شيء أعظم منه، العظيم؛ لأنه مالك أمور خلقه يعظمه خلقه، وله صفة العظمة في كل الأحوال.
لقد تضمنت آية الكرسي مختصر العقيدة الإيمانية، وتطرقت إلى الذات الإلهية.
فقد تضمَّنت الكثير من أسماء الله الحسنى، والكثير من صفاته العلى، والضمائر الّتي تعود على ذاته.
فمن أسمائه فيها: الله، لا إله إلَّا هو، الحي القيوم، العلي، العظيم، وهي ستة أسماء.
ونجد الكثير من الضمائر في هذه الآية، مثل: هو، لا تأخذه، بما شاء، كرسيه، ولا يؤده، وحفظهما، وهو، وهذه الضمائر تقرب من (١٢) ضميراً كلها تعود إلى ذاته سبحانه، وأنه الإله الواحد الحق الّذي يستحق أن يعبد، وتوحيد الربوبية، يعني: هو الخالق وحده.
فهي أعظم آية في القرآن الكريم، أو سيدة آي القرآن، كما ورد في الأحاديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وفي حديث رواه النسائي، وابن حبان في صحيحه، عن أبي أمامة، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من قرأ دبر كل صلاة مكتوبة آية الكرسي لم يمنعه من دخول الجنة إلَّا أن يموت»، وذلك لأنها تضمَّنت كما قلنا توحيد الألوهية، والربوبية، والأسماء، والصفات.