سورة البقرة [٢: ٢١٦]
{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْـئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْـئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}:
بعد ذكر الإنفاق في الآية السّابقة يذكر في هذه الآية الجهاد الّذي يحتاج إلى الإنفاق، كذلك، وبذل المال والأنفس.
{كُتِبَ}: فرض عليكم، قيل: هذه أول آية فرض فيها الجهاد «القتال»، وذلك في السّنة الثّانية من الهجرة.
{عَلَيْكُمُ}: على تفيد الاستعلاء لما في الجهاد من علو منزلة ورفعة وعليكم خطاب إلى الصّحابة، ومن بعدهم جميع المسلمين.
{الْقِتَالُ}: الجهاد. ارجع إلى سورة الحج آية (٣٩) لمعرفة الفرق بين القتال والجهاد.
{وَهُوَ}: الواو: للتوكيد، هو: ضمير الزّيادة والتّوكيد.
{كُرْهٌ}: بضم الكاف؛ أي: الشّاق على النّفس، والثّقيل، ولكنها مشقة مرغوبة بها من قبل صاحبها، ومقرونة بالإرادة والرّغبة؛ للقيام بها لما يترتب عليها من ثمار، أو ثواب.
ووردت هذه الكلمة ثلاث مرات في القرآن مرتين في الحمل، ومرة في الجهاد، ويجب أن ننتبه إلى الكلمة الأخرى المشابهة، وهي كَره بفتح الكاف، ووردت في خمس مواضع، وهي تعني: الإكراه، والقهر على فعل الشّيء مثال:
{لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا} [النّساء: ١٩].
{أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا} [التوبة: ٥٣].
{وَعَسَى}: من أفعال الرجاء المرجو حصولها في المستقبل.
{أَنْ تَكْرَهُوا شَيْـئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ}: {أَنْ}: حرف مصدري للتوكيد؛ أي: هذا القتال الّذي تكرهوه لما فيه من الآلام والمشقة، وزهق الأرواح: هو في الحقيقة خير لكم؛ لما فيه العزة، وحسن الثّواب، والأجر العظيم.
{وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْـئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ}: مثل القعود عن الجهاد، شرٌّ لكم؛ لأنّه قد يدفع العدو إلى انتهاك حرماتكم، وقتل أولادكم، ونسائكم، فالله سبحانه لا يشرع، أو يفرض أمراً؛ إلَّا فيه مصلحتكم، ومقاييس العباد ليست كمقاييس الله سبحانه؛ لأنّه سبحانه:
{يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}: يعلم ما فيه الخير لكم والشّر، وما يضركم وما ينفعكم؛ لأنّه عالم الغيب والشّهادة، وعلام الغيوب.