سورة الأنعام [٦: ١٤٥]
{قُلْ لَا أَجِدُ فِى مَا أُوحِىَ إِلَىَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}:
تشير هذه الآية إلى أن التحريم، أو التحليل يكون بالوحي، أو يثبت بالوحي فقط، والوحي: هو القرآن، والرسول -صلى الله عليه وسلم-: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْىٌ يُوحَى} [النجم: ٤]، ولمعرفة معنى أوحي إلي؛ ارجع إلى سورة النساء، آية (١٦٣).
و {قُلْ لَا أَجِدُ فِى مَا أُوحِىَ إِلَىَّ}: قل لهم يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا أجد من المحرمات التي ذكرتموها شيئاً محرماً في القرآن؛ إلا ثلاثة أشياء على أيِّ آكل، هي: الميتة، والدم المسفوح، ولحم الخنزير.
وكذلك ما ذكر في سورة المائدة، الآية (٣): {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ}.
{فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ}:
{فَإِنَّهُ}: إن: للتوكيد؛ أيْ: هذه المحرمات: الميتة، والدم المسفوح، ولحم الخنزير.
{رِجْسٌ}: لحمها قذر، وقبيح، ومحرم؛ أيْ: أكلها عمل قذر قبيح محرم.
{أَوْ فِسْقًا}: خروجاً عن الدِّين، وعن طاعة الله -سبحانه وتعالى- .
{أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ}: أيْ: ذبح، ولم يذكر اسم الله عليها، وإنما ذكر اسم الأصنام عليها، والإهلال: رفع الصوت باسم المذبوح له.
{فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}:
{فَمَنِ}: الفاء: عاطفة، من: شرطية.
{فَمَنِ اضْطُرَّ}: أيْ: ألجئ بحكم الضرر؛ المخمصة، واستنفد كل الأسباب، وخاف على نفسه الهلاك؛ فله أن يأكل، لكن على شرط:
{غَيْرَ بَاغٍ}: أيْ: لا يأكل فوق حاجته.
{وَلَا عَادٍ}: أيْ: لا يأكل من هذه المحرمات وعنده أطعمة أخرى، قد تسد رمقه.
{وَلَا}: تفيد التوكيد، توكيد النفي.
وفي الآية (٣) من سورة المائدة أضاف -عز وجل- : {غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ}: أيْ: مائل، أو راغب لارتكاب الإثم.
{فَإِنَّ}: الفاء: رابطة لجواب الشرط، وتفيد التوكيد.
{رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}: غفور: كثير الغفران، صيغة مبالغة؛ أيْ: يغفر الذنوب جميعاً إلّا الشرك به، يغفر لمن اضطر لأكل المحرم، غير باغٍ، ولا عاد.
{رَحِيمٌ}: أباح الأكل من المحرمات في حالة الاضطرار، وهذه صفة ثابتة لذاته، رحيم: بعباده المؤمنين.
وتكرار لا: {وَلَا عَادٍ}: لنفي كلٍّ منهما على حدة، وكلاهما معاً، لا يجوز له أن يكون باغياً، ولا يجوز له أن يكون عادياً، ولا كليهما معاً. ارجع إلى الآية (١١٥) من سورة النحل للبيان المفصل, وإذا قارنا هذه الآية مع الآية (٣) في سورة المائدة, والآية (١١٥) في سورة النحل وهي قوله تعالى: {فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}: نجد أن آية الأنعام جاءت في سياق الشرك، وقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- قل لا أجد في ما أوحي إلي، وآية المائدة والنحل في سياق قول الله تعالى أو مخاطبة الله تعالى للناس في (الأطعمة) فيما أحل وحرم الله عليهم, وفيما أُهل لغير الله بـ (الشرك).