للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سورة آل عمران [٣: ٣٢]

{قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ}:

{قُلْ}: لهم يا محمد -صلى الله عليه وسلم-، قل لأهل مكة والأعراب، ومن اتبعك من الناس أجمعين.

{أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ}: ولم يقل: أطيعوا الله، وأطيعوا الرسول، فذلك يعني: طاعة الله سبحانه، وطاعة رسوله -صلى الله عليه وسلم- في أمر ما واحدة؛ كقوله و {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ}، فطاعة الرسول من طاعة الله، ولا يمكن فصلهما.

مثال: الله سبحانه أمر بالصلاة، والرسول أمر بالصلاة، والصلاة أمر واحد، أو مسألة واحدة، لا يختلف حكم الله فيها عن حكم رسوله، فيقول: أطيعوا الله ورسوله.

وأما قوله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ}: هنا تعني: أطيعوا الله في أمر الصلاة (بشكل مجمل) فيما بيَّنه لكم.

وأطيعوا الرسول فيما بيَّنه لكم من عدد ركعاتها، وأركانها، وسننها، وأوقاتها، وكيف تُصلى.

أي: أطيعوا الله تعالى فيما أمر، أو فرض، وأطيعوا الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيما فصَّل لكم ما فرض الله عليكم، وما أمر؛ لقوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} [الحشر: ٧].

وأما قوله في سورة النساء، آية (٥٩): {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِى الْأَمْرِ مِنكُمْ}: هنا طاعة أولي الأمر غير منفصلة عن طاعة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فلم يقل سبحانه: وأطيعوا الله، وأطيعوا الرسول، وأطيعوا أولي الأمر منكم؛ أي: أطيعوا أولي الأمر منكم إذا أطاعوا الله وأطاعوا رسوله، فطاعة أولي الأمر ليست كياناً بحد ذاتها، وإنما تابعة لطاعة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وطاعة الله، فإذا أمرنا أولو الأمر بأمر يخالف الله، أو يخالف الرسول نرفضه، وبالعكس نطيعهم إذا أطاعوا الله سبحانه ورسوله -صلى الله عليه وسلم-.

{فَإِنْ تَوَلَّوْا}: الفاء: للتوكيد، إن: شرطية تفيد الاحتمال والشك، تولوا: أعرضوا عن طاعة الله، والرسول، ورفضوا، أو جحدوا ذلك، وابتعدوا عنها.

{فَإِنَّ}: الفاء: رابطة لجواب الشرط، إن: حرف مشبه بالفعل؛ للتوكيد.

{اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ}: لا: النافية، ولا تفيد النفي المؤبد (المطلق)؛ لأن الكافر قد يتوب، ويرجع عن كفره، وطغيانه، ويؤمن بالله تعالى فيما بعد.

لا يحب الكافرين: الكافرين: جملة اسمية تفيد الثبوت؛ أي: الذين أصبحت سمة الكفر عندهم ثابتة لا تتغير، لا يحب الكافرين إذا استمروا في كفرهم وإعراضهم ولم يتوبوا.

أما إذا تابوا إلى الله واستغفروا لذنوبهم؛ فإن الله كان غفوراً رحيماً، أو كان عزيزاً حكيماً.

وانتبه إلى الانتقال من صيغة المخاطب إلى صيغة الغائب؛ فإن تولوا، ولم يقل: فإن توليتم؛ للتحذير، والتنبيه، أو لفت الانتباه.

والفرق بين الكافرين، والكفار: الكافرين: يستعملها للدلالة على العمل، الحدث (الكفر) بكثرة، والكفار: يستعمل هذه الكلمة للدلالة على الاسم، الكثرة والعدد، والكفار أعم من الكافرين.