للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سورة النساء [٤: ١٢٨]

{وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}:

{وَإِنِ}: الواو: استئنافية.

إن: شرطية تدل على قلة الحدوث، أو الاحتمال مقارنة بـ (إذا) التي تدل على كثرة الحدوث.

{امْرَأَةٌ}: نكرة؛ أيُّ امرأةٍ، ولم يقل: زوجة؛ لأن هناك اختلافاً في المعنى بين امرأة وزوجة. الزوجة: تعني هناك توافق بين الزوجين؛ أيْ: متكافئين في العقيدة، والدِّين، إذا حدث بينهما شيء من الاختلاف يزول.

امرأة: كلمة امرأة تستعمل حين يوجد ما يخل بالحياة الزوجية مثل هناك اختلاف مثل: عدم الاستقرار الأسري والنشوز والإعراض أو اختلاف في العقيدة؛ كقوله: امرأة فرعون، امرأة نوح، وامرأة لوط، بين الزوجين، أو قد تكون عاقراً، أو فيها مرض ما يطلق عليها القرآن امرأة. ارجع إلى سورة القصص آية (٩) لمزيد من البيان.

{خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا}:

والخوف: هو توقع الضر المشكوك في وقوعه، وهو خلاف الطمأنينة.

وهناك فرق بين الخوف والحذر؛ فالحذر: هو توقي الضرر المتوقع، سواء كان ظناً، أو يقيناً، والحذر: لدفع الضرر، والحذر: لا يدفع الخوف.

وأما الخشية: فهي خوف حقيقي؛ أي: الشيء الذي تخافه هو حقيقة، مع الشعور بعظمة الذي تخافه، مع العلم به.

والخوف: إذا اشتدّ أصبح خشية، وإذا اشتد أكثر أصبح وجَلاً.

{مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا}: البعل: وهو الزوج، والسيد، والقائم عليها (والمنفق عليها)، والمباعلة تعني: في طياتها المحبة، والمعاشرة الزوجية. وقوله تعالى بعلها، ولم يقل زوجها؛ لوجود الاختلاف بين الزوجين بسبب النشوز وعدم الاستقرار الأسري، وكذلك ليذكرها بكلمة البعل الحامل لمعنى المعاشرة الزوجية لعلها تحن وترجع عن النشوز وتصبح زوجة.

نشوزاً: مصدر سماعي لفعل نشز ينشز، وهو مأخوذ من النشز، وهو ما ارتفع وظهر من الأرض.

والمفروض: أن الأرض أن تكون مبسوطة؛ فإن وجد فيها ارتفاعاً فهذا يسمَّى نشوزاً، ويعني: تكبر وارتفاع من الزوج عن زوجته؛ أي: التباعد، والكراهية، وترك مضاجعتها، والتقصير في نفقتها، والرغبة في تركها، وفراقها، وحب غيرها، سواء لكبر سنها، أو مرضها.

أو إعراضاً: أيْ: عدم الكلام إليها وتجنبها؛ كأن يكون إعراضاً بالوجه، أو إعراضاً بالبدن، ومنعها نفسه والكراهية لها.

والنشوز: قد يحصل من الزوجة، وليس من الزوج، كما قال تعالى في نفس السورة، آية (٣٤): {وَالَّاتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِى الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ}: بأن تتكبر عليه، وتهمل واجباتها، فلا بُدَّ من علاج النشوز بمجرد وقوعه، وعدم الانتظار حتى يصعب علاجه.

{فَلَا جُنَاحَ}: الفاء: للتوكيد.

لا جناح؛ أيْ: لا أثم.

وجناح من جنح؛ أيْ: مال عن القصد، وسُمِّيَ الجناح إثم؛ لأنه ميل عن الحق. عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً: الزوج والزوجة. ارجع إلى الآية (١٠١) من سورة النساء؛ للبيان.

{أَنْ يُصْلِحَا}: أصلها يتصالحا، ثم أدغمت التاء في الصاد، وقد تعني: يصلحا من أصلح، والإصلاح: يبدأ بمجرد ما تشعر الزوجة بنشوز زوجها، تبحث عن الأسباب؛ فإذا كانت هذه الأسباب تعود إليها مثل: تقصيرها في حق زوجها، أو معاملتها السيئة، أو غيره تحاول أن تتجنب ذلك، وإن كانت أسباب قاهرة، مثل: كبرها، أو مرضها، أو جمالها؛ فيمكن أن تتنازل عن شيء من حقوقها من قبيل الإحسان، مثلاً: تتنازل له عن حقها في الفراش، أو النفقة، أو غيرها، أو تسمح له بالزواج، وتبقى كزوجة له، ولها حق النفقة والصحبة مثلاً، بدلاً من الطلاق، أو الفضيحة.

{صُلْحًا}: تقديره فيصلح الأمر صلحاً، بأي نوع من أنواع الصلح يمكن القيام به، أو التوصل إليه خير من الدوام على العشرة بالنشوز؛ أي: الإعراض.

{وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنفُسُ الشُّحَّ}:

{وَالصُّلْحُ خَيْرٌ}: خير من الفرقة، والطلاق، أو استمرار النشوز والإعراض، وسوء المعاشرة والخصومة.

{الشُّحَّ}: هو أشد البخل مع شدة الحرص على منع الخير.

{وَأُحْضِرَتِ الْأَنفُسُ الشُّحَّ}: يعني: الشح كان في الأنفس، ولم يقل: النفوس. النفوس تعني: كل نفس، أما الأنفس: فلا تعني كل نفس قبل أن تحضر، أو تجيء للصلح، أو قبل النشوز، أو هي مطبوعة عليه، أو جُبلت عليه لا يغيب عنها، أو هو يسيطر عليها.

وكلمة الأنفس: تدل على أن الشح يشمل الجنس البشري من: رجال، ونساء، وأطفال، وشيوخ.

وموجود في معظم الأنفس البشرية: فالمرأة تشح على زوجها، والزوج يشح على زوجته، وكلاهما بخيل على الآخر.

وهذا ليس فرضاً من الله، أو هو خلقها سبحانه كذلك، وإنما هي اختارت أن تكون شحيحة، وهو سبحانه شاء لها ذلك أيضاً، فهناك نفوس كريمة تعفو وتصفح، ونفوس شحيحة، فالشح يؤدِّي إلى عدم تنازل أحد الزوجين للآخر عن أيِّ شيءٍ من الحقوق، والكل يطمع أكثر فأكثر، فيؤدِّي ذلك إلى الطلاق، وتفكك الأسرة، وإهانتها.

{وَإِنْ}: إن: شرطية؛ تدل على الاحتمال، والندرة في الحدوث.

{تُحْسِنُوا}: معاشرتهن وتصبروا، وتحسنوا إلى بعضكم بعضاً، كما أوصاكم الله سبحانه، وتتركوا النشوز وعدم نسيان الفضل بينكم وكيف أفضى بعضكم إلى بعض.

{وَتَتَّقُوا}: الظلم، والجور من كلا الطرفين.

{فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}:

{فَإِنَّ}: الفاء: للتوكيد. إن: لزيادة التوكيد.

{كَانَ}: تفيد الماضي، والحاضر، والمستقبل، وكون ذاته خبيراً: فهي صفة ملازمة لذاته من الأزل.

{بِمَا تَعْمَلُونَ}: الباء: للإلصاق.

{تَعْمَلُونَ}: تشمل الأفعال، والأقوال، وقدَّم كلمة تعملون على كلمة (خبيراً)؛ لأن السياق في أعمال العباد.

وما: مصدرية، أو اسم موصول بمعنى الذي.

{خَبِيرًا}: يعلم نواياكم وبواطن أموركم، وخبير بذات الصدور، وأحاط علمه بكل شيء، وبخلقه وكونه.