سورة الحج [٢٢: ٥٢]
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِىٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِى أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِى الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}:
{وَمَا}: الواو استئنافية، ما النّافية.
{أَرْسَلْنَا}: ولم يقل بعثنا، ارجع إلى الآية (١١٩) من سورة البقرة للبيان والتّفصيل في معنى أرسلنا.
{مِنْ قَبْلِكَ}: من استغراقية.
{مِنْ رَسُولٍ}: من ابتدائية، رسول: الرّسول: من بُعث بشرع جديد، وكلّ رسول نبي وليس كلّ نبي رسولاً.
{وَلَا نَبِىٍّ}: تكرار لا: يفيد التّوكيد وفصل كلٍّ من الرّسول، من النّبي، أو كلاهما معاً.
والنّبي: من بُعث لتقرير شرع من قبله من الأنبياء والرّسل والعمل به، ولم يأت بشرع جديد. ارجع إلى سورة النّساء آية (١٦٤) لمزيد من البيان عن الرّسول والنّبي.
{إِلَّا إِذَا}: إلا أداة حصر. إذا: شرطية تفيد حتمية الحدوث.
{تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِى أُمْنِيَّتِهِ}: تمنى: لها معنيين: الأول: بمعنى: قرأ وتلا من القراءة والتّلاوة؛ أي: يمكن للشيطان أن يتدخل في فهم الآيات والتّأثر بها ويضع الوسواس في عقول النّاس؛ ليصدّهم عن اتباع ما يقرأه ويتلوه النّبي ويوسوس لهم أنّه سحر، أو (تمنى) من التّمني المعروف، وهذا هو المعنى الثاني؛ كالقول: ليت كان كذا وليت لم يكن، وقد يقع على الماضي والمستقبل؛ فهو معنى في النفس، ويعني: المحبة، ولكن المحبة لا تقع إلا على المستقبل؛ أي: أحب الشّيء وتمنّاه، وهو تمنّيه إسلام كلّ فرد من أمته، فكلّ رسول أو نبي يتمنّى أن يؤمن كلّ أفراد قومه أو أمته، ويتمنّى أن يصدقوه ويؤمنوا بما جاء به، فيأتي الشّيطان فيوسوس في صدور بعض النّاس أو أكثر النّاس، ويزين لهم ويعمل على إغرائهم، ليصدّهم عن اتباع النّبي وعن الإيمان والدّخول في دين الله، أو يمنع نفوذ القرآن إلى قلوب النّاس ويضع العراقيل والعقبات في دعوة الرّسل والأنبياء؛ حتّى لا يتم للنبي أو الرّسول ما يتمنّاه من إيمان أفراد أمته؛ أي: يقف حائلاً بين الرّسول أو النّبي وما يتمنّاه.
{فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِى الشَّيْطَانُ} النسخ: هو الإزالة. ارجع إلى سورة البقرة آية (١٠٦) لمزيد من البيان. يمحو الله سبحانه ويزيل كلّ ما يلقي الشّيطان في كتاب الله من تبديل وتحريف أو باطل، فلا يأتيه الباطل لا من بين يديه ولا خلفه، وينسخ الله؛ أي: يزيل من قلوب المؤمنين الشّك والرّيبة، ويثبت الله سبحانه آياته في قلوب الّذين آمنوا، فتصبح وساوس الشّيطان أو ما يلقيه الشّيطان إليهم لا قيمة له ولا وزن.
{ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ}: ثمّ للترتيب الذّكري، يُحكم الله آياته: أي: يجعلها محكمة غير منسوخة، فلا يصيبها تبديل ولا تحريف.
{وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}: عليم بأفعال الشّيطان وأحواله وأقواله، وعليم بأحوال النّاس وأقوالهم وأفعالهم وبما أوحى إلى رسله، ويعلم ظواهر الأمور وبواطنها، حكيم: من الحكمة والحكم، فهو سبحانه أحكم الحاكمين وأحكم الحكماء في خلقه وشرعه وأفعاله وكونه. ارجع إلى سورة البقرة آية (١٢٩) لبيان معنى حكيم.