المناسبة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: إنه على ملة إبراهيم، فقالت اليهود: كيف تأكل لحوم الإبل، وألبانها، وإبراهيم حرم ذلك، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: كان ذلك حلاً لإبراهيم، فنحن نحله، فقالت اليهود: لا إنه محرم على إبراهيم، فأنزل الله عزَّ وجلَّ هذه الآية تكذيباً لهم.
لم يحرم الله سبحانه على بني إسرائيل بما فيهم نبيهم إسرائيل وهو يعقوب -عليه السلام- ؛ أي: طعام، فكل الطعام كان حلاً لهم من قبل إنزال التوراة على موسى.
ولكن ما حدث: هو أن يعقوب (إسرائيل) أصيب بمرض شديد، قيل: هو عرق النسا، ألم شديد بسبب الضغط على العصب الوركي، فنذر يعقوب لله إذا شافاه الله وعافاه؛ ليحرّمن على نفسه أحب الطعام والشراب (لحم الإبل وألبانها)، وحدث ذلك، وأراد الوفاء بالنذر، وهذا التحريم على نفسه لم يكن أمراً إلهياً على يعقوب، ولا على بني إسرائيل قبل تنزيل التوراة.
أما بعد تنزيل التوراة فقد حرم الله على بني إسرائيل ما جاء في الآية (١٤٦) من سورة الأنعام، قوله تعالى:{وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِى ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ}: وسبب هذا التحريم هو بسبب نقض بني إسرائيل المواثيق، والعصيان، وعدم الأخذ بالتوراة، والعمل بها، والظلم، وأخذهم الربا وقد نهوا عنه، وهذا ما جاء في الآية (١٦٠-١٦١) من سورة النساء، قوله تعالى:{فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}.
فأطلع الله سبحانه وتعالى رسوله محمداً -صلى الله عليه وسلم- على الحقيقة، وسأله أن يسأل اليهود بأن يأتوا بالتوراة ويقرؤوها أمامه إن كانوا صادقين بأن الله حرم عليهم أي طعام قبل تنزيل التوراة، فلم يأتوا بها، وعلموا أن الله سبحانه قد أطلع نبيه محمداً -صلى الله عليه وسلم- على كذبهم، وهذا تفسير قوله تعالى:{قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ}.