{قَالَ يَاقَوْمِ}: يا: النّداء، كلمة قومي فيها بعض الحنان على قومه، والاستعطاف.
{أَرَءَيْتُمْ}: الهمزة استفهام، وتعجب، وتقرير، والرّؤية رؤية قلبية، أو فكرية؛ بمعنى: العلم، وبشكل مؤكد.
{إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَّبِّى}: إن: شرطية. البينة: الحجة الدّامغة، والبرهان الّذي يثبت صحة ما أقول، وقال: بينة من ربي، ولم يقل: بينة من ربكم؛ لأنّ البينة جاءت إليه، ولم تجئ إليهم، وهم لم يؤمنوا بعد ليقول: ربكم.
{وَآتَانِى رَحْمَةً مِّنْ عِنْدِهِ}: وآتاني: من الإيتاء: وهو عطاء بدون تمليك، ويشمل الإيتاء الحسي والمعنوي، وهو أشمل من العطاء؛ ارجع إلى سورة البقرة آية (٢٥١) لمزيد من البيان، والفرق بين العطاء والإيتاء. وبما أنّ الكلام عن الرّحمة؛ فقد قدَّمها على من عنده، ولم يقل: وآتاني من عنده رحمة، ورحمة من عنده، ولم يقل: رحمة منه؛ لأنّ رحمة من عنده أخص بالمؤمنين من خصوصيات القرآن، أمّا رحمة منه: فهي رحمة عامة للمؤمن، والكافر، ورحمة من عنده؛ تعني: النّبوة، والرّحمة: هي كلّ ما يجلب ما يَسرُّ ويدفع ما يَضرُّ.
{فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ}: أيْ: أُخفيت وأُبهمت ولم تعلموها، والتبست عليكم؛ وعُميت من العمى عمى البصيرة؛ أيْ: لم تفهموها؛ عمِّيت بالتضعيف، ولم يقل: عَمِيَت.
{أَنُلْزِمُكُمُوهَا}: أيْ: أنلزمكم قبولها، والهمزة: همزة استفهام إنكاري؛ أيْ: لا نقدر أن نُلزمكم أنفسنا، وأنتم غير راغبين في قبولها، أو كيف أوصلها إليكم، وأنتم لها كارهون، وهي عبادة الله وحده، أو لا إله إلا الله.
{وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ}: كارهون: جملة اسمية؛ تدل على أنّ (كارهون) صفة ثابتة: تدلّ على التّجدُّد، والتّكرار، فربما في المستقبل أوصلها لكم، أو تقبلوا بها.
أنلزمكموها: جاءت هذه الكلمة بعد أن رفض قوم نوح الاستجابة لدعوته؛ فأحسَّ نوح بالصّعوبة الشّديدة في إبلاغهم الدعوة؛ فأصبحت كأنّها مستحيلة؛ لأنك ترغم إنساناً على شيء، وهو كاره له، كافر به.
فجاءت هذه الكلمة لتعبر عن هذه الحالة الّتي تمتاز بالإكراه، ومحاولة إبلاغ الشّيء إلى من لا يؤمن به، ويرفضه؛ فبدأت بهمزة الاستفهام الإنكاري، وفيها ضميران: الكاف، والهاء، وأشبعت الميم المضمومة؛ فأصبحت واواً، وفيها فعل وفاعل، ومفعول به أوّل، ومفعول به ثان.