سورة الرعد [١٣: ٣٦]
{وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُوا وَإِلَيْهِ مَآبِ}:
{وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ}: الّذين: اسم موصول؛ يفيد المدح.
{آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ}: مؤمنو أهل الكتاب من اليهود، والنّصارى؛ مثل: عبد الله بن سلام، وأصحابه، وسلمان الفارسي من مؤمني أهل الكتاب أهل التّوراة، والإنجيل، وإذا قارنا (الذين آتيناهم الكتاب بالذين أوتوا الكتاب) في القرآن: نجد أن (الذين آتيناهم الكتاب): تأتي في سياق المدح والتفضيل والثناء، وأما (الذين أوتوا الكتاب) تأتي في سياق الذم والتوبيخ.
{يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ}: من الآيات، والذّكر الحكيم (القرآن)؛ لأنّه موافق لما جاء في كتبهم، وهذا الفرح من الفرح المحمود. ارجع إلى سورة آل عمران آية (١٧٠) لبيان معنى الفرح وأنواعه. انظر كيف قال تعالى: (يفرحون) ولم يقل يؤمنون؛ فقد يكون مجرد فرح (سرور) لبعضهم، ثم ما لبثوا أن كفروا به؛ لأنك لم تتبع ملتهم.
{بِمَا}: الباء: للتعليل، أو السّببية، بما أنزل عليك يا محمّد -صلى الله عليه وسلم-، والفرح عادة يكون عندما يحقق الإنسان أمراً طيباً جلب له النّفع، وهناك فرق بين: أنزل عليك، و: أنزل إليك. ارجع إلى الآية (٤) من سورة البقرة.
{وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ}: من: ابتدائية بعضية؛ أي: بعض الأحزاب. والأحزاب: جمع حزب؛ أي: طائفة متحزبة مجتمعة على هدف، أو أهداف من الّذين تحزبوا من المشركين من أهل مكة، ومن حولهم من الأعراب، أو أهل الكتاب: اليهود.
{مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ}: من: للعاقل؛ تشمل: المفرد، والجمع.
{يُنْكِرُ بَعْضَهُ}: مثل: نبوة محمّد، أو ما جاء في وصف النّبي المرتقب، أو ينكر ما جاء في رجم المحصن، أو ما جاء به في البعث، والحساب. ارجع إلى سورة الأعراف، آية (٥١)؛ لبيان معرفة معنى: الجحود، والإنكار، والفرق بينهما.
{قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ}: جواب للمنكرين، قل لهم يا محمّد:
{إِنَّمَا}: كافة مكفوفة؛ تفيد التّوكيد.
{أُمِرْتُ أَنْ}: أن: حرف مصدري؛ يفيد التّعليل، والتّوكيد.
{أَعْبُدَ اللَّهَ}: وحده؛ أي: أطيع أوامره، وأجتنب نواهيه.
{وَلَا أُشْرِكَ بِهِ}: لا: النّافية.
{أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ}: ولا أشرك: توكيد لـ: أمرت أن أعبد الله.
{إِلَيْهِ أَدْعُوا}: تقديم إليه: يفيد الحصر؛ أي: لا أدعو، ولا أعبد غيره.
{وَإِلَيْهِ مَآبِ}: تقديم إليه: يفيد الحصر؛ أي: إليه وحده مرجعي، ومصيري.
لنقارن هذه الآية: {وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ} مع الآية (١٧) من سورة هود: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ}.
آية سورة هود: جاءت في سياق الكفر بالقرآن، أو بمحمد -صلى الله عليه وسلم-، وهو أشد من الإنكار، وأشد من التّكذيب؛ فجاء التّحذير بالقول: فالنّار موعده.
أمّا آية سورة الرعد: جاءت في سياق الإنكار، وهو أقل من الكفر، والتّكذيب؛ فلم يذكر عاقبة الإنكار الّتي هي حتماً أقل من الكفر.
فآية هود: تحذر من الكفر به، وآية الرعد: تحذر من إنكار بعض الكتاب (التوراة).