للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سورة الزمر [٣٩: ٤٢]

{اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِى لَمْ تَمُتْ فِى مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِى قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}:

{اللَّهُ}: قدَّم الفاعل على الفعل ليدل على الحصر والقصر، أيْ: هو وحده القادر على ذلك.

{يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِى لَمْ تَمُتْ فِى مَنَامِهَا}: يتوفى لها معانٍ عدة الاستيفاء والتّمام أيْ: يسترد الأمر أو الشّيء تاماً ولها معنى الموت.

{الْأَنفُسَ}: جمع نفس والنّفس ليست هي الرّوح كما دلت البراهين والأدلة العلمية، وهذا قاله ابن عباس: إن في ابن آدم نفساً وروحاً بينهما مثل شعاع الشّمس فالنّفس الّتي بها العقل والتّمييز، والرّوح هي الّتي تبعث الحياة في كلّ الجسم وكلّ عضو؛ العين والبصر والعقل والقلب والرّئتين وغيرها.

أمّا النّفس: تعني شيء محسوس لها علاقة بالحركة بشكل عام؛ فهي قد تتمثل بمنطقة الوعي والإدراك والذاكرة والتّمييز والأحاسيس والإرادة والنّطق (الكلام) والضّحك والبكاء والنّوم. والّتي سماها {بِالنَّاصِيَةِ} [العلق: ١٥] وتشير البحوث العلمية أنّها تقع في الفص الجبهي للدماغ، والّتي يمكن تعطيلها بالنوم (بما تفرزه الغدد من هرمونات تؤدي إلى النوم)، وعدم الحركة، وكما نراه يحدث حين حقن المادة المخدرة، كما يحدث في عمليات الجراحة فينام المريض ولا يشعر بالألم، وتبقى الروح سارية في الجسم بدون أن تتأثر.

فالله سبحانه في هذه الآية يدلنا على عظمته وقدرته. فهو يتوفى الأنفس في حالتين حين موتها: عند خروج الرّوح من البدن (بالموت أو القتل) وخروج الرّوح يؤدِّي إلى وفاة النّفس، فحين تخرج الرّوح تموت النّفس أو تتعطل وحين تبقى الرّوح وتتعطل النفس (يتوفى الأنفس) كما يحدث في النّوم، وغيره من الحالات، وهناك فرق بين الأنفس والنفوس؛ الأنفس: عادة تدل على جمع قلة، والنفوس: تدل على جمع كثرة، وتشمل كل النفوس، ونحن نعلم أن جمع القلة إذا دخلت عليه أل التعريف، أو الاستغراق يتحول إلى جمع كثرة بمعنى لكل الأنفس، ولماذا لم يستعمل كلمة نفوس التي هي للكثرة ما دامت الأنفس جمع كثرة، والنفوس جمع كثرة من البداية؟ لأن العرب تختار عادة وتفضل اللفظ الخفيف (الأنفس)، ولا تختار أو تفضل اللفظ الثقيل (النفس).

{وَالَّتِى لَمْ تَمُتْ فِى مَنَامِهَا}: أي: الله سبحانه يتوفى الّنفس عند النّوم والرّوح ما زالت تعمل في البدن، أيْ: يعطل عمل النّفس عند اللزوم ويتم ذلك بإفراز هرمونات خاصة تسري في الدّم وتعطل عمل النّفس ينام الإنسان في تلك الفترة، وإذا أراد الله سبحانه أن يبعث النّفس مرة أخرى في البدن عندها يستيقظ النّائم، ويتكرر ذلك كل ليلة إلى أن ينقضي أجله، وإذا أراد أن يمسكها يبقيها إلى فترة طويلة يصاب الإنسان بسبات، أيْ: فقد الوعي يستمر إلى مرحلة حتّى يستيقظ من سباته أو تقبض روحه (تخرج) وتموت معها أو تتعطل معها النّفس حتّى تبعث في القبر.

{إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}: إن: تفيد التّوكيد.

{فِى ذَلِكَ}: في ظرفية، ذلك تَوَفِّي الأنفس عند الموت وعند النوم.

{لَآيَاتٍ}: اللام لام التّوكيد.

{لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}: اللام لام الاختصاص، أيْ: ينتفع بها القوم الّذين يتفكرون، التّفكر: هو النّظر في الدّلائل (الآيات) للوصول إلى الحقيقة وهي أنّ الله هو الإله الحق الّذي يجب أن يعبد وحده ولا يشرك به، وأنّه الخالق المصور والبديع والفاطر لقوم يتفكرون بقدرته وعظمته في الخلق والتدبير والسيطرة، يتفكرون بخلق الإنسان وما أودع الله سبحانه فيه من أسرار الخلق التي يكتشف بعضها علماء الطب في كل يوم.