للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سورة هود [١١: ٣]

{وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِى فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ}:

{وَأَنِ}: حرف مصدري؛ يفيد التّعليل، والتّوكيد.

{اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ}: من الكفر، والشّرك، والمعاصي، او الذّنوب، استغفروا ربكم: اطلبوا منه المغفرة، والغفر: هو السّتر والعفو.

{ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ}: ثم: تفيد التّدرج التّسلسلي، أو التّعاقب، ولا تفيد التّرتيب، والتّراخي في الزّمن؛ لأنّ التّوبة مطلوبة مباشرة، والتّوبة تعني: الإقلاع عن الذّنب، وعدم الرّجوع إليه، والنّدم عليه، والإكثار من العمل الصّالح، والنّوافل، وإعادة الحق إلى صاحبه، وهناك توبة الإنابة من دون ارتكاب الذّنب، وهناك التّوبة من الذّنب.

وقدم الاستغفار على التوبة؛ لأن الاستغفار يعني: الاعتراف بالذنب أولاً.

{يُمَتِّعْكُم مَتَاعًا حَسَنًا}: المتاع: هو ما ينتفع به، وما يُتمتع به، ويطلق على القليل، والكثير؛ مثل: السّعة في العيش، والرّزق، والطّعام، والشّراب، والمسكن، والملبس، والأداة، والسّلعة. المتاع الحسن: الطّيب الحلال.

{إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى}: هو الموت، مسمَّى محدَّد لا يتبدل، مسمَّى في اللوح المحفوظ، أو أم الكتاب، والأجل: هو الوقت المضروب لانقضاء الشّيء، وأجل الإنسان: هو الوقت المضروب لانتهاء حياته.

أمّا العمر: وهو الأجل، ولكن يمكن أن يزداد، أو ينقص إذا شاء الله، وهذا يدل عليه قوله: {وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِى كِتَابٍ} [فاطر: ١١]. ارجع إلى سورة فاطر؛ لمزيد من البيان.

{وَيُؤْتِ كُلَّ ذِى فَضْلٍ فَضْلَهُ}: ويؤتِ: من الإيتاء: وهو العطاء الّذي ليس فيه تملك؛ بينما العطاء فيه تملك، والإيتاء: أعمّ؛ يشمل: الأشياء الحسية، وغير الحسية. ارجع إلى الآية (٢٥١) من سورة البقرة؛ لمزيد من البيان.

ويؤت؛ أي: الله سبحانه كلّ ذي فضل فضله، يؤت: كلّ عامل، أو مؤمن، أو محسن ثواب، أو أجر عمله، أو إحسانه.

{ذِى فَضْلٍ}: صاحب فضل، والفضل: هو الزّيادة على الأجر المستحق. ارجع إلى الآية (٢٦٨) من سورة البقرة؛ لبيان الفضل.

{وَإِنْ تَوَلَّوْا}: أصلها: وإن تتولوا؛ إن: شرطية؛ تستعمل في الأمر المحتمل حدوثه. وإن تولوا: تعرضوا عن الإيمان، أو تبتعدوا عنه، أو تتهاونوا في العبادة، وتقصروا في طاعة الله؛ فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير.

وهناك فرق بين تولوا، وتتولوا:

تولوا: تستعمل في قلة التّولي عن الإيمان، وطاعة الله، كما يحدث لبعض المؤمنين.

أما تتولوا: كما في قوله تعالى: {وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ} الآية (٥٢) من نفس السورة؛ فتدلّ على كثرة التّولي، والإعراض، كما يحدث في تولي الكفرة، أو شدة التّولي.

{فَإِنِّى}: الفاء: للتوكيد، إني: لزيادة التّوكيد.

{أَخَافُ عَلَيْكُمْ}: الخوف: وهو توقع الضّرر مع الشّك بوقوعه.

{عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ}: كبير وصف لليوم، ويوم كبير: يوم القيامة، ونكَّرهُ؛ للتّهويل، والاستعداد له، كبير في أحداثه؛ حيث تضع كلّ ذات حمل حملها، وترى النّاس سكارى وما هم بسكارى… وغيرها من الأحداث الجسام.