سورة لقمان [٣١: ٢٢]
{وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}:
المناسبة: بعد ذكر الّذين يجادلون في الله ويتبعون آباءهم، وبالتالي هم يتبعون الشيطان وينقادون ويسلمون له، هناك بالمقابل الّذي يسلم وجهه إلى الله وهو محسن.
{وَمَنْ}: الواو استئنافية، من: شرطية.
{يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ}: يسلم: من أسلم؛ أي: انقاد وأسلم له: انقاد له، ويسلم: ينقاد، أسلم لله: جعل نفسه خالصة لله. يسلم: بصيغة المضارع تدل على التجدد والتكرار. بينما أسلم: بصيغة الماضي تدل على وقوع الحدث مرة واحدة وانتهى، كما جاء في سورة البقرة آية (١١٢): {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} جاءت رداً على اليهود الّذين قالوا: لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى، بلى من أسلم، وأسلم؛ أي: دخل في الإسلام، والدخول في الإسلام هو مرة واحدة.
ومعنى يسلم وجهه: أي ذاته، والوجه هو أشرف أعضاء الجسم وذكر الجزء يدل على الكل.
وقال تعالى: {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ} هذه الآية الوحيدة في القرآن تقول: ومن يسلم وجهه إلى الله، وبقية الآيات: أسلم وجههُ لله، في سورة البقرة آية (١١٢) {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ}. وفي سورة النّساء آية (١٢٥) {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ}.
فما الفرق بين أسلم لله، وأسلم إلى الله؟ أو يسلم لله، ويسلم إلى الله؟
أسلم وجهه لله مرة واحدة دخل فيها الإسلام، أما يسلم لله أكثر من مرة. لله: اللام لام الاختصاص والملكية؛ أي: يكرر ويجدد إخلاصه وتوحيده لله تعالى بشكل مستمر.
أسلم وجهه لله مقارنة بـ: أسلم وجهه إلى الله: فقوله تعالى: أسلم وجهه لله؛ أي: أقرب، أو أعلى درجة ومرتبة من قوله تعالى: (إلى الله)، وأسلم لله؛ أي: بلغ غايته، وأما أسلم إلى الله: لا يزال في طريقه، ولم يصل إلى نهاية الغاية المرجوة بعد.
{وَهُوَ مُحْسِنٌ}: هو ضمير فصل يفيد التّوكيد، محسن؛ أي: بلغ درجة الإحسان في تقواه وطاعته وأصبح مستقيماً في إحسانه؛ أي: ثابتاً. ارجع إلى الآية (١١٢) من سورة البقرة: لبيان معنى الإحسان.
{فَقَدِ}: الفاء: رابطة لجواب الشرط، قد: للتحقيق والتوكيد؛ أي: تحقق استمساكه بالعروة الوثقى.
{اسْتَمْسَكَ}: فيها مبالغة في التمسك، ولم يقل أمسك بالعروة الوثقى؛ أي: عمل كل جهده ووسعه في الإمساك.
{بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى}: الباء للإلصاق والالتزام. والعروة: هي الحلقة التي في طرف الحبل التي يمسك بها.
الوثقى: تأنيث: الأوثق، والأوثق مذكر: الوثقى، والأوثق اسم تفضيل؛ أي: أوثق العرى على الإطلاق وأقواها وأمتنها لا تنقطع ولا تنفصل.
{فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى}: هذا تمثيل للمحسن الّذي يسلم وجهه إلى الله بحال من أراد أن يتدلى من شاهق أو جبل، فاحتاط لنفسه بأن استمسك بأوثق العرى بحبل متين مأمون عدم انقطاعه معمول بشكل عروة، وهو يقبض عليها بيديه بكل قواه خوفاً من أن يهوي في مكان سحيق.
وفي سورة البقرة آية (٢٥٦) قال تعالى: {لَا انْفِصَامَ لَهَا}؛ أي: لا تنفتح أو تنقطع؛ أي: محكمة أشد الإحكام.
وفي قوله: لا انفصام لها: فيها توكيد؛ لأن السياق مختلف عن آية لقمان، ففي آية البقرة ذكر: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ} فلذلك أكّد بقوله: {لَا انْفِصَامَ لَهَا}، أما في آية لقمان فلا تحتاج إلى توكيد.
{وَإِلَى اللَّهِ}: تقديم الجار والمجرور، وإلى الله: للحصر.
{عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}: العاقبة آخر الأمر؛ أي: المرحلة النهائية بعد الحساب إما إلى الجنة وإما إلى النّار.