سورة الطلاق [٦٥: ١]
[سورة الطلاق]
ترتيبها في القرآن (٦٥) ترتيبها في النزول (٩٩).
{يَاأَيُّهَا النَّبِىُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِى لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا}:
{يَاأَيُّهَا النَّبِىُّ}: نداء تشريف وتعظيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل فيها (يا) أداة النداء والهاء للتنبيه، والنداء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والمراد به أمته لقوله تعالى بعد ذلك: {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} ولم يقل: إذا طلقت النساء؛ لأن الحكم ليس خاص برسول الله -صلى الله عليه وسلم- وحده، وكذلك حين يخاطب الله سبحانه رسوله -صلى الله عليه وسلم-، أو يا أيها النبي يجب على الكل أن ينتبه ويستمع للنداء.
{إِذَا}: شرطية تفيد حتمية الحدوث وكثرته.
{طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ}: إذا أردتم الطلاق، الخطاب للأزواج فقد كان الرجل يطلق امرأته، ثم يرجعها قبل انقضاء عدتها، ثم يطلقها ويفعل ذلك تكراراً ليضارها، فنزلت هذه الآية.
{فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}: الفاء جواب الشرط، أيْ: طلقوهنَّ وقت الطهر، لا يجوز تطليق المرأة زمن الحيض؛ أيْ: يطلقها في طهر لم يجامعها فيه, فإذا جامعها، أيْ: مسها لا يجوز له أن يطلقها حينذاك، ويجب أن ينتظر إلى أن تأتي الحيضة القادمة، وتنتهي وتعود طاهراً لم يمسها في زمن طهرها ويطلقها حينذاك. فقد روى البخاري أن عبد الله بن عمر طلق امرأة له وهي حائض، فذكر عمر لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتغيظ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم قال: «ليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر، ثم تحيض فتطهر، فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهراً قبل أن يمسها فتلك العدة التي أمر الله عز وجل»، والحكمة من وراء ذلك والله أعلم لعل النفوس تهدأ وتعود الأمور إلى ما كانت عليه، ويبقى البيت قائماً.
{وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ}: الخطاب للأزواج والعدة هي ثلاثة قروء كاملة، أيْ: أكملوا ثلاثة قروء واحفظوا مدتها، احفظوا الوقت الذي وقع فيه الطلاق حتى يتبيَّن متى تنتهي العدة. ارجع إلى سورة البقرة آية (٢٢٨) للبيان.
{وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ}: أيْ: أطيعوا أوامر الله ربكم وتجنبوا نواهيه فلا تعصوه والتزموا حدوده. وانظر كيف جمع في هذه الآية بين الإلوهية والربوبية، اتقوا غضب الله وسخطه فهو الذي يرعاكم ويحفظكم ويُربيكم التربية الإسلامية بتعاليمه وآياته.
{لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ}: وحذفت الواو من قوله تعالى: (ولا تخرجوهن)؛ لأن هذا حكم أو كلام جديد؛ لا الناهية، أي: اتركوهنَّ في بيوتهنَّ التي كنَّ فيها قبل الطلاق ما دُمْنَ في العدة حتى تنقضي العدة، وأضاف البيوت إليهنَّ لبيان استحقاقهنَّ للسكن في مدة العدة. مع أن البيت للرجل.
{وَلَا يَخْرُجْنَ}: التكرار للتوكيد وتحذير للأزواج والزوجات، لا الناهية، أو النافية، والنون في يخرجن لزيادة التوكيد، أيْ: لا تخرج المرأة المطلقة في زمن عدتها إلا لضرورة ظاهرة، ولعل في البقاء في البيت يثير أهمية المعاشرة والاهتمام والتفكير بعواقب الأمور؛ ارجع إلى المصادر الفقهية لبيان الشروط.
{إِلَّا}: أداة استثناء.
{أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ}: أن المخففة للتوكيد وتدل على المستقبل، أيْ: لا تخرجوهنَّ من بيوتهنَّ إلا إذا فعلن فاحشة الزّنى عندها يخرجن لإقامة الحد عليهنَّ، وقيل: الفاحشة قد تعني بذاءة اللسان والتكبر على الزوج أو على من تسكن عندهم والنّشوز على الزوج.
{وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ}: الواو عاطفة، تلك: اسم إشارة واللام للبعد والإشارة إلى حدود الله مثل الطلاق في حالة الطهر وإحصاء العدة وعدم إخراج المطلقة من بيتها تلك أحكام الله تعالى لا يحل لكم أن تتجاوزها أو تتعدوها.
{وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ}: أيْ: ومن لم يلتزم بما أمر الله سبحانه ونهى عنه، فقد: الفاء للتوكيد، قد للتحقيق، ظلم نفسه: بأن عرضها للعقاب عاجلاً أو آجلاً؛ لأنّه ارتكب إثماً في حق نفسه بالخروج عن حدود الله.
{لَا تَدْرِى}: لا النافية، للحال والاستقبال تدري: من درى بمعنى علم وهناك فرق بين علم ودرى، فالدّراية تكون بعد جهل والدّراية أخص من العلم والعلم أعم، لا تدري: لا تعلم.
{لَعَلَّ}: أداة رجاء لشيء محبوب يطمع أو يرجى حدوثه.
{اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا}: لعل الله إذا بقيت في بيتها أن يؤلف بين قلوبهما فيتراجعا أو يحنَّ كلٌّ للآخر، ويندم بعد الطّلقة أو الطلقتين وتجنب الطلاق للمرة الثالثة.