سورة البقرة [٢: ١٧١]
{وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِى يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْىٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ}:
{وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِى يَنْعِقُ}: أي: حالهم يشبه الّذي ينعق، وهو الرّاعي الّذي يصيح بالماشية الّتي يرعاها ليزجرها، أو يوجهها إلى طريقها.
{الَّذِينَ كَفَرُوا}: ارجع إلى الآية (٦) من نفس السورة لمزيد من البيان.
{بِمَا لَا}: الباء: للإلصاق، ما: لغير العاقل «الماشية»، لا: النّافية.
{لَا يَسْمَعُ}: أي: لا تفهم من الرّاعي.
{إِلَّا}: أداة حصر.
{دُعَاءً وَنِدَاءً}: وهناك فرق بين الدعاء والنداء:
فالدعاء: يكون بخفض الصوت، ويكون عادة للقريب.
أما النداء: فيكون برفع الصوت، ويكون عادة للبعيد.
{دُعَاءً وَنِدَاءً}: بصيغة النكرة؛ أي: مهما كان صيغته وسياقه لا يهم؛ لأنه مجرد دعاء ونداء غير مفهوم للماشية.
فالماشية تسمع الدعاء، والنّداء، ولكن لا تفهم ما يقوله الرّاعي، فهو يمشي أمامها، أو خلفها، وحين تخالف أمره يصيح بها، ومع مرور الزّمن تدرك الماشية أنّ رفع الصّوت لزجرها، ومنعها، ولذلك تغير مسيرها هنا، أو هناك، ومع الزّمن والتّكرار «بالتّقليد» تعرف أمكنتها مكان المبيت والرّعي والشّرب.
فالرّسول -صلى الله عليه وسلم- هو الرّاعي «أي: الدّاعي»، يدعو الّذين كفروا إلى الإيمان «وهم كالماشية والغنم»، فهم لا يسمعون ما أُنزل إليهم من ربهم إلَّا مجرد سماع لا طاعة معه «كما أنّ الماشية تسمع الرّاعي ولا تعقل ما يقوله، كأنّ في آذانهم صمم أو وقر»، وهم بكم لا ينطقون بالشّهادة، ويصدقون الرّسول كما أنّ الماشية تنطق بكلمات لا يعقلها الراعي، أو من يسمعها.
وهم عميٌ لا يبصرون آيات الله الكونية، ويؤمنون بالله «كما أنّ الماشية تبصر وترى طريقها، ولكن لا تعلم أنّها تساق أحياناً إلى أماكن ذبحها»، وهكذا حال الّذين كفروا صمٌّ بكمٌ عميٌ معاً؛ أي: كلّ من هؤلاء الكفرة صمٌّ بكمٌ عميٌ في نفس الوقت.
{فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ}: الفاء: للتوكيد، هم: ضمير فصل يفيد التّوكيد أيضاً، {لَا يَعْقِلُونَ}: لماذا خلقوا وما هو مصيرهم الأبدي.
وفي سورة الأنعام، الآية (٣٩): قال سبحانه: {صُمٌّ وَبُكْمٌ}.
وفي سورة الإسراء، الآية (٦٧): {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا}.
ففي هاتين الآيتين إضافة الواو تجعل هؤلاء فئات مختلفة فئة صم وفئة بكم وفئة عمي، أما في آية سورة البقرة فهم فئة واحدة لها ثلاث صفات في نفس الوقت صمٌّ بكمٌ عميٌ.