للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سورة آل عمران [٣: ٤٩]

{وَرَسُولًا إِلَى بَنِى إِسْرَاءِيلَ أَنِّى قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِنْ رَّبِّكُمْ أَنِّى أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْـئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْىِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِى بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ}:

{وَرَسُولًا إِلَى بَنِى إِسْرَاءِيلَ}: أي: أبعثه رسولاً إلى بني إسرائيل ودائماً كقاعدة عامة حين يأتي من يدعي أنه رسول، أو يقول: أنا رسول من عند الله سبحانه لا بد من أن يقدم بين يدي دعواه معجزة، أو آية تثبت أنه رسول من الله، كما فعل موسى بالعصا، واليد، وغيرها، وصالح جاء بالناقة، فلا بد من آية يأتي بها؛ للدلالة على صدقه ونبوته.

{أَنِّى}: أن جاءت للتوكيد.

{قَدْ}: للتحقيق، وزيادة التوكيد.

{جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِنْ رَّبِّكُمْ}: الآية هنا معجزة من ربكم، وقال ربكم ليجلب قلوبهم فيؤمنوا مع العلم أنه -عليه السلام- جاءهم بكثير من الآيات (إحياء الموتى، وإبراء الأكمه والأبرص)، وغيرها، ولكنه جمعها بآية واحدة؛ لأنها من جنس واحد كلها تدل على نبوته فمن يؤمن بآية يؤمن ببقية الآيات؛ للدلالة على نبوته، والذي لا يؤمن بآية لا يؤمن بغيرها.

{أَنِّى}: للتكرار والتوكيد.

{أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْـئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ}: أولاً: يجب الانتباه إلى أن هذا كلام عيسى -عليه السلام- ؛ فيه: جاء بصيغة التذكير، والضمير يعود على الطين قبل أن يكون طيراً، وإذا قارنا هذه الآية مع الآية (١١٠) في سورة المائدة قال تعالى: {فَتَنْفُخُ فِيهَا} جاء بصيغة التأنيث، فهذا الكلام جاء في سياق يوم القيامة، وسياق تعدد نعمه على عيسى -عليه السلام- ، وهو كلام الله سبحانه، وليس كلام عيسى -عليه السلام- ، وقد سبق حين كان في الدنيا أن صنع من الطين طيراً، والطير قد يكون مفرداً أو جمعاً، ففيه إخبار عن وقوع الفعل سابقاً، والضمير فيها يعود على الطير التي سبق أن نفخ فيها.

{فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ}: أي: بأمر من الله تعالى، ومشيئته، وقوله بإذن الله: حتى لا يظن أحدٌ أن الله سبحانه هو عيسى ابن مريم -عليه السلام- ، ففي هذه الآية عيسى -عليه السلام- يخاطب قومه عن معجزاته، فيقول: بإذن الله، ولا يجوز أن يقول: بإذني.

ـ وقال: بإذني في آية (١١٠) في سورة المائدة؛ لنفي الألوهية عن عيسى -عليه السلام- .

والنفخ في كلا الحالتين ليس هو بحد ذاته المعجزة، وإنما المعجزة الحقيقية هي تحول الطير الجامد إلى طير يتحرك، ويطير بجناحيه.

وفي كلا الآيتين تم الأمر بإذن الله، أو بإذني (التي تعود إلى الله).

{وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ}: البرء: هو الشفاء؛ أي: أشفي.

الأكمه: هو الذي يولد أعمى؛ أي: العمى الجنيني الذي يحدث زمن الحمل، وتشكل الجنين فهو أكثر صعوبة في الشفاء من العمى المكتسب الذي يحدث بعد زمن الولادة.

والأبرص: وهو فقدان الجلد للون البشرة، فيصبح الجلد مصاباً ببقع بيضاء متناثرة، وهذا مرض سببه نقص في هرمون الميلانين، وهو مرض يصيب قسماً من الغدة النخامية؛ فيؤدِّي إلى فقدان لون البشرة، وخص الله تعالى هذه الأمراض؛ لأنها كانت شائعة عندهم وجاء ذكر البرص في التوراة.

{وَأُحْىِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ}: وإحياء الموتى معجزة خارقة لم يتطرق إليها أحد منذ عيسى، ولم يدق بابها عالم حتى الآن.

{وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِى بُيُوتِكُمْ}: الأمور الثلاثة السابقة كانت عامة للكل، أما الإنباء بألوان الطعام، وما يدخر كل إنسان في بيته، وما يأكل هذه أمور خاصة جداً لا يعلمها إلا علام الغيوب.

{إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ}: ما ذكر سابقاً عدد من الآيات وليس آية واحدة، فكيف جمعها في آية واحدة، فقال: إن في ذلك لآية؛ لأن من يؤمن بآية يؤمن بكل الآيات الأخرى، والذي لا يؤمن بآية لا يؤمن بكل الآيات، والآيات (المعجزات) السابقة كلها تدل على نبوَّة عيسى -عليه السلام- .

إن: للتوكيد، لآية: اللام: لام لزيادة التوكيد، إن: شرطية، كنتم مؤمنين: مصدقين بآيات الله الباهرة، ودليلاً قاطعاً على صدق رسالتي ونبوتي.