سورة لقمان [٣١: ٣١]
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِى فِى الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِّنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}:
ومن الآيات الكونية الدالة على عظمته وقدرته ووحدانيته وفضله على النّاس: الفلك التي تجري في البحر.
{أَلَمْ تَرَ}: ارجع إلى الآية (٢٩) للبيان.
{أَنَّ الْفُلْكَ}: أن: للتوكيد، الفلك: السفن، والفلك تطلق على المفرد والمؤنث والجمع.
{تَجْرِى فِى الْبَحْرِ}: كما ذكر سابقاً: والشمس والقمر كل يجري، والجري: هو السير السريع، في البحر؛ لأن الطبقة الغازية حول البحر هي جزء من الأرض أو البحر، هذا الجري الّذي هو بسبب ظاهرة التوتر السطحي لماء البحر والتي تمثل شدة ترابط جزيئات الماء مع بعضها لتساعد على حمل هذه الفلك العملاقة.
{بِنِعْمَتِ اللَّهِ}: الباء للإلصاق وسببية؛ بسبب نعمة الله تعالى، ونعمة الله هذه لها معانٍ عدّة:
الفلك تجري بواسطة الرياح، فالرياح نعمة من نعم الله.
أو الفلك نفسها نعمة من نعم الله.
أو تجري بنعمة الله؛ أي: ما تحمله من البضائع والمواد والشحن نعمة من نعم الله.
والبحر أيضاً نعمة، وجريان الفلك نعمة وعدم توقفها، نِعم لا تحصى ولا تُعد.
{لِيُرِيَكُمْ مِّنْ آيَاتِهِ}: اللام لام التّعليل، من: ابتدائية بعضية (من بعض آياته الكونية).
ونسب الآيات إليه سبحانه بقوله: (آياته) لتدل على عظمة الآيات وكونها خاصة، ولم يقل ليريكم من الآيات.
من آياته الدالة على عظمته وقدرته ووحدانيته، وأنه هو الّذي يستحق العبادة وأنه هو الإله الحق.
{إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} إن: للتوكيد، واللام في كلمة (لآيات) للتوكيد، في: ظرفية، ذلك: ذا اسم إشارة واللام للبعد وتشير إلى الآيات (الفلك والبحر وجريان الفلك)، لكل: اللام لام الاختصاص. صبار: صيغة مبالغة من فعل: صبر، صبّار: كثير الصبر على وزن فعّال، صبّار على طاعة الله تعالى والشدائد وتحمّل المشاق والمصاعب، وخاصة في مجال البحوث والاكتشافات العلمية في مجال الكون وعلم الفضاء وعلم البحار وغيرها، وما يتعرض له الباحث من فشل أو نجاح يحتاج إلى كونه صبّاراً وشكوراً في آن واحد، ولا يكفي أن يكون صبّاراً بل أيضاً شكوراً: صيغة مبالغة من شكر؛ أي: كثير الشكر وكثير الصبر.
كلما اكتشف حقيقة علمية شكر الله سبحانه ونظر إليها وتأمّلها ودل النّاس عليها؛ حتى تزيدهم إيماناً مع إيمانهم.
فهذه الآيات الكونية التي لا يعقلها إلا العالمون تدل على أن الله هو الإله الحق لا إله إلا هو وتستوجب العبادة والشكر وتدعونا إلى الصبر والشكر في العمل والبحث عن حقائق الكون، والشكر يدعو إلى زيادة النعم وزيادة النعم تدعو إلى زيادة الشكر وهكذا، كما قال سبحانه: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: ٧]، وكلمة صبّار في كل القرآن لم ترد إلا مقترنة مع شكور؛ أي: صبّار شكور، وأما كلمة شكور قد تأتي مفردة.