سورة المائدة [٥: ٥]
{الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِى أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِى الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}:
{الْيَوْمَ}: ارجع إلى الآية (٣).
{أُحِلَّ لَكُمُ}: اللام: لام الاختصاص، لكم خاصَّة.
{الطَّيِّبَاتُ}: جمع طيب، وهو الحلال الطاهر، وما يستطاب ويشتهى، وتشمل الطعام، والشراب، وغيرها من المتاع، وقيل: هي كل ما لم يحرِّمه الكتاب والسنة، أو القياس، أو غيرها من مصادر الشريعة.
{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ}:
كلمة الطعام: كلمة عامة، وهنا في هذه الآية؛ تعني: الذبائح، أو اللحم فقط، وهل كل طعام أهل الكتاب حل لنا؟
الجواب: لا؛ لأنهم يأكلون الخنزير، وبعض أطعمتهم تدخلها الخمور، أو لحم الخنزير، أو لا يذكرون اسم الله عليها.
إذن الذي يحل للمسلمين من طعام أهل الكتاب ما هو حلالاً في دِين الإسلام، وبما أن الطعام وسيلة لاستبقاء الحياة والتناسل، ووسيلة لاستبقاء النوع البشري، انتقل -جل وعلا- إلى ذكر الزواج: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}:
أحل لكم الزواج من المحصنات من المؤمنات.
{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ}: أي: العفيفات الحرائر. ارجع إلى الآية (٢٤) من سورة النساء؛ لمعرفة معنى الإحصان. إذن المحصنة هنا تعني: التي تحصن فرجها، فلا تزني؛ أي: العفيفات الحرائر من المؤمنات, وإذا قارنا هذه بالآية (٢٥) في سورة النساء وهي قوله تعالى: {مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} فقد جاءت هذه الآية في سياق نكاح ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات (الإماء).
{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ}:
أي: العفيفات الحرائر (جمع حرّة).
{مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ}: اليهود والنصارى، الذين أوتوا التوراة والإنجيل من قبلكم.
{إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِى أَخْدَانٍ}:
{إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}:
{إِذَا}: ظرفية شرطية، تفيد الحتمية؛ أيْ: لا بُدَّ من إعطائهنَّ مهورهنَّ.
{آتَيْتُمُوهُنَّ}: الإيتاء: هو العطاء؛ أيْ: تعطي المهر، أو الصداق قبل الزواج.
{أُجُورَهُنَّ}: مهورهنَّ.
{مُحْصِنِينَ}: من الإحصان؛ أي: الزواج الشرعي، والإحصان له أربعة معانٍ: الزواج، والعفة، والإسلام، والحرية.
{غَيْرَ مُسَافِحِينَ}: غير زناة، والسفح: هو صبُّ المني الملازم للجماع، وخصَّ به الزِّنى، وقد يكون لمرة واحدة بأيِّ زانية, وإذا قارنا هذه الآية بالآية (٢٥) في سورة النساء نجد أن آية المائدة جاءت في وصف الرجال بالإحصان؛ فكلا الطرفين مطالب بالإحصان (أي العفة).
{وَلَا}: الواو: عاطفة، لا: الناهية.
{مُتَّخِذِى أَخْدَانٍ}: الخدن: الصديق، ذكراً أو أنثى، يزني بها سراً، وهي تزني به باستمرار. ارجع إلى الآية (٢٤) من سورة النساء؛ لمزيد من البيان.
وتقديم المحصنات من المؤمنات على المحصنات الكتابيات؛ يدل على تفضيل الزواج بالمسلمات المؤمنات على المحصنات الكتابيات.
{وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِى الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}:
{وَمَنْ}: شرطية.
{يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ}: أيْ: يُحل ما حرم الله، أو يُحرم ما أحله الله، أو يكفر بشرائع الإسلام؛ أيْ: يجحد بها، وبالتوحيد، وبالشهادة، أو يؤمن ببعض، ويكفر ببعض.
{يَكْفُرْ}: يتجدَّد كفره، ويستمر، ولم يقل: من كفر.
{فَقَدْ}: الفاء: للتوكيد. قد: حرف تحقيق، وتوكيد.
{حَبِطَ عَمَلُهُ}: بطل ثوابه، أو جزاء عمله.
{حَبِطَ}: اشتُقَّت من حبطت الماشية؛ أيْ: أصابها مرض الحبن؛ أي: انتفاخ البطن، ويظُن أنها نمت، وزادت شحماً ولحماً، وإنما هي في الحقيقة مريضة ومتورِّمة، ثم تموت، وكذلك أعمال الكافر؛ يظن أنها أعمال ضخمة، وحسنة (كانتفاخ البطن في الماشية)، ولحمها نتن، لا يباع، ولا يؤكل، ولا فائدة منه؛ كأعمال الكفرة.
وقد شبَّه الله عمل الكفار والمشركين في آيات أخرى بالسراب، والرماد الذي اشتدّت به الريح، والهباء المنثور.
{وَهُوَ}: الواو: عاطفة، هو: ضمير منفصل، يفيد التوكيد.
{فِى الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}: الخاسرين لنفسه؛ لأنه أدخلها النار، وقد تعني: الخاسرين لأهله كذلك. ارجع إلى سورة الزمر، آية (١٥)؛ لمزيد من البيان.