وهذه منَّةٌ أخرى من الله تعالى على رسوله -صلى الله عليه وسلم- وعلى المؤمنين حين حاول ثمانون من المشركين المتسلّحين الغدر بالمؤمنين يوم الحديبية، فأسرهم أصحاب رسول الله وأتوا بهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فعفا عنهم، فكان سبب صلح الحديبية. وفي حديث آخر قيل: ثلاثون.
{وَهُوَ الَّذِى}: وهو سبحانه وتعالى، الذي للتعظيم.
{كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ}: في الحديبية وسمّى الحديبية (ببطن مكة) وقيل: بطن مكة وادي مكة، وقيل: بطن مكة التّنعيم.
{كَفَّ أَيْدِيَهُمْ}: أي كفّ أيدي أهل مكة من الكفار والمشركين.
{عَنكُمْ}: عن الرّسول وأصحابه الذين خرجوا للعمرة.
{وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم}: حين أسروا (٣٠) أو (٨٠) رجلاً من أهل مكة أرادوا غرَّة رسول الله وأصحابه؛ أي: المفاجأة والنَّيل منكم.
{مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ}: بأسر هؤلاء الـ (٨٠) أو (٣٠) منهم. وهناك فرق بين: ظفرت بفلان وظفرت عليه، ظفرت عليه؛ أي: تغلّبت عليه وقهرته أو أسرته، وظفرت به؛ أي: ثقفته أو وجدته وأنت قادرٌ ومتمكِّنٌ منه.
{وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا}: أي أحاط بصره بجميع المبصرات في أقطار السموات والأرض، يبصر ويرى كلّ شيء يجري في كونه سواء كان ظاهراً أو باطناً؛ أي: مطَّلع على أعمالكم (الأقوال والأفعال).
وقدّم (تعملون) على (بصيراً)؛ لأنّ سياق الآيات في الأعمال وليس السّياق في صفات الله تعالى أو أعمال القلوب والنّوايا.