سورة الإسراء [١٧: ٢٣]
{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا}:
{وَقَضَى رَبُّكَ}: أي: أمر، وألزم، وأوجب، وقضى: قد تأتي بمعنى: حكم، أو تدل على انتهاء المدة: {فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ} [القصص: ٢٩].
{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ}: أي: حكم، وأمر الله سبحانه: ألَّا: أصلها: أن، ولا؛ أن: حرف مصدري يفيد التّعليل، والحكم، ولا: نافية، أو ناهية.
{تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ}: لمعرفة معنى العبادة: ارجع إلى سورة البقرة، آية (٢١)، أو الأنبياء، آية (١٠٦).
{إِلَّا}: أداة حصر.
{إِيَّاهُ}: للتوكيد.
{وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}: وبالوالدين: الوالد والوالدة، ولم يقل بالأبوين؛ اختار لفظ الولادة على الأبوة وبالوالدين؛ أي: من الولادة، والتي تقوم بها الأم؛ الباء: باء الإلصاق، والاستمرار؛ أي: وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه، وقضى أن تحسنوا بالوالدين إحساناً؛ أي: أن تبروهما؛ فقد قرن الإحسان للوالدين بعبادته سبحانه، وقضى بالإحسان إلى الوالدين؛ لأنّهما هما السبب، أو الوسيلة في وجودنا؛ لما تتحمله الأم خلال الحمل، والوضع، والرضاعة، والسهر، والتربية، وما يوفره الأب من المعاش، والإنفاق، والتربية، ولهذين الوالدين حقوق، كما أن للخالق الحقيقي حقوقاً. ارجع إلى سورة النساء آية (٣٦)، وسورة البقرة آية (١١٢) لمزيد من البيان.
{إِحْسَانًا}: مصدر أحسن؛ حذف الفعل، وجاء بالمصدر؛ ليفيد التّوكيد.
{إِمَّا}: مركبة من: إن، وما؛ إن: الشّرطية، وزيدت عليها ما: للتوكيد.
{يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ}: يبلغن: من بلغ؛ أي: أدرك، أو وصل؛ أي: بلغا الكبر؛ أي: وصلا إلى سن الكبر عندك، أو أحدهما، والنون في "يبلغن" للتوكيد، ولم يقل يبلغا.
انتبه إلى تقديم كلمة "عندك"، ولم يقل: يبلغن الكبر عندك، العنديَّة هنا هامة، ومقصودة، وخاصة، ويجب فهم معناها.
وتعني المعية (أي: معك)؛ أي: حافظ على والديك؛ أي: أبقِ والديك عندك، ولا تُلقِ بهما في دور العجزة، أو دور إقامة المسنين، أو الكهول؛ فالمكان بحد ذاته مهم، والأهم منه رعايتهما، والإحسان إليهما، والاهتمام بهما، وإذا كان هناك أخوة، وأخوات؛ فالكل يشارك في المسؤولية.
ولتثبيت هذا المعنى في النفس انظر إلى ما قالته امرأة فرعون: {رَبِّ ابْنِ لِى عِنْدَكَ بَيْتًا فِى الْجَنَّةِ} [التحريم: ١١] قدمت كلمة "عندك" بدلاً من القول: رب ابن لي بيتاً عندك في الجنة، تبغي العنديَّة؛ أي: المعية؛ أي: الرعاية، والقُربى؛ عندك أنت خاصة، وهي أهم من المكان.
{الْكِبَرَ}: بعد مرحلة القوة والشباب تأتي مرحلة الكبر؛ مرحلة الحاجة، والضعف، والمرض، وهنا تتجلى صورة الإنسان بشكل واضح.
{أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا}: قدم الأهم أحدُهما؛ لأن كليهما قد يساعد أحدهما الآخر؛ أما حين يكون الإنسان وحيداً؛ فهو بحاجة أشد للعون، والإحسان.
{فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ}: فلا: الفاء: للتوكيد؛ لا: النّاهية.
{تَقُلْ}: مضارع تدل على الاستمرار، والتّجدد.
{أُفٍّ}: صوت يدل على ضجر المتكلم من شيء ما، ومنهم من قال: أف اسم فعل مضارع بمعنى أتضجر فيكون المعنى لا تشعر تضجرك للوالدين، وهي أقل لفظة يمكن أن تقال، وجاءت بصيغة التنكير؛ تعني: أي: شيء، أو قول؛ أي: لا تضجر بأدنى تضجر منهما، أو من غيرهما فتضجر أمامهما.
{وَلَا}: ولا: الواو: عاطفة؛ لا: ناهية، وتكرار لا: تفيد التّوكيد.
{تَنْهَرْهُمَا}: النهر: هو الزجر بقسوة، وانفعال تالٍ للتضجر؛ أي: احذر من التأفف، والتضجر منهما، ولا ترفع صوتك عليهما.
{وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا}: وقل سبقتها كلمة: فلا تقل، ثم جاء بقل: لتفيد التّوكيد.
{قَوْلًا كَرِيمًا}: سمحاً ليناً فيه مظاهر الرّحمة، والمحبة، والحنان خاصة إذا حدث خطأ منهما، أو تصرف غير طبيعي.