للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سورة النساء [٤: ٩١]

{سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا فَإِنْ لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا}:

{سَتَجِدُونَ آخَرِينَ}: ستعثرون على قوم آخرين صنف ثالث من المنافقين والمشركين، كانوا يأتون إلى المدينة المنورة، فإذا دخلوها أظهروا إسلامهم وولاءهم للمسلمين كي يأمنوا بطش المسلمين، وأذاهم، وأموالهم، وذراريهم (النساء والصبيان).

وإذا عادوا إلى مكة أظهروا ولاءهم ومودتهم وشركهم للمشركين؛ كي يأمنوا شر المشركين، وبطشهم، كذلك كلما ردوا؛ أيْ: دعوا إلى الفتنة، إلى الشرك والكفر؛ أيْ: عادوا إلى مكة، فدخلوا في الشرك والكفر، وإذا كانوا معكم عبدوا الله، وإذا كانوا مع قومهم عبدوا الأصنام، فهؤلاء يعتبرون مع الكفار، فالحكم في هؤلاء هو كالتالي: إن لم يعتزلوكم؛ أيْ: يتركوا قتالكم، ولا يحالفوا عليكم، أو يلقوا إليكم السلم (الصلح والهدنة)؛ أيْ: الانقياد بالاستسلام.

{وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ}: ثقفتموهم من الثقف: ثقف الرجلُ؛ أيْ: تمكن منه وظفر به؛ أي: في سياق الحرب، وليس مجرد أن وجده حاول أسره، أو قتله، بل لا بُدَّ من أن تكون له قدرة واستطاعة على فعل ذلك؛ مثلاً: أن يصبر حتى يعود إلى المدينة، فلا يلاحقه في مكة، أو ينتظر الزمن، والمكان المناسب للقيام بذلك، وهناك فرق بين ثقفتموهم، ووجدتموهم كما سيلي.

{وَأُولَئِكُمْ}: الواو: عاطفة. أولاء: اسم إشارة، والكف: للخطاب.

{جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ}: جعلنا لكم: اللام في لكم لام الاستحقاق، أو الاختصاص.

{سُلْطَانًا}: السلطان نوعان: سلطان القوة القتالية، وسلطان الحُجَّة والمنطق والأداء الذي يقنع الآخرين.

{مُبِينًا}: سلطاناً واضحاً، وحجته على قتلهم وسبيهم.

ما هو الفرق بين: حيث وجدتموهم، وحيث ثقفتموهم.

{حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ}: أيْ: أنتم في موقف القوة، والسلطة لكم، والحكم، فعندها خذوهم أينما وجدتموهم، واؤْسروهم، واقتلوهم.

حيث ثقفتموهم: أيْ: إذا جاؤوا إليكم، وتمكنتم منهم في الحرب هذا هو الشرط؛ عندها خذوهم وأسروهم واقتلوهم.

وإذا وجدتموهم في أيِّ مكانٍ، أو زمانٍ، وأنتم غير قادرين، ليس عندكم القوة والعدة لأسرهم، أو قتلهم؛ فلا تقتربوا منهم، وانتظروا الفرصة، ولو قال: حيث وجدتموهم بدلاً من حيث ثقفتموهم؛ لكان على المسلمين أن يذهبوا، ويبحثوا عنهم في مكة، أو أينما كانوا، وهذا أمر صعب إذا لم يكن المسلمون في حالة القوة، ومن الصعب القيام بذلك، فلا يجوز تفسير: ثقفتموهم: وجدتموهم، كما في كثير من كتب التفسير.