سورة سبأ [٣٤: ٣]
{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّى لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِى السَّمَاوَاتِ وَلَا فِى الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِى كِتَابٍ مُبِينٍ}:
{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا}: بالله ورسوله وأنكروا البعث والحساب والآخرة.
{لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ}: لا النّافية، تأتينا السّاعة: أي ساعة تهدّم النّظام الكوني الحالي، وسمّي بالسّاعة: السّاعة جزء من (٢٤) جزءاً من النهار والليل، وقد يكون معناها إطلاق الجزء على الكلّ أو السّاعة هي آخر ساعة في الحياة الدّنيا وبعدها النّفخة الأولى ويبدأ تهدّم النّظام الكوني الحالي والفزع والصعق؛ أي: الّذين كفروا زعموا أنّه ليس هناك السّاعة ولا حساب ولا آخرة، ولا بعث، ولا جنة، ولا نار.
{قُلْ}: قل لهم يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ أي: أقسم لكم بربي لتأتينّكم.
{بَلَى وَرَبِّى}: بلى: حرف جواب يفيد تقرير ما بعد النّفي، وما بعد النّفي إتيان السّاعة؛ أي ستأتينّ وربي: الواو واو القسم؛ أي: أداة القسم، والمقسم به ربي، والمقسم عليه لتأتينكم، والله سبحانه غني عن القسم، ولا يقسم إلا بشيء هام وعظيم، وهو قيام الساعة.
{لَتَأْتِيَنَّكُمْ}: اللام والنّون في تأتينكم للتوكيد: توكيد القسم.
{عَالِمِ الْغَيْبِ}: الغيب كلّ ما غاب عن عيون البشر في السّموات وفي الأرض، وعن كل المدركات كالسمع والبصر وغيرها من الحواس، وعالم السّر والنّجوى وما تخفي الصّدور، عالم الغيب هنا يعني الغيب المطلق، ومنه علم قيام الساعة وغيرها، وهناك الغيب النسبي الذي قد يظهره لمن ارتضى من رسله. ارجع إلى سورة الروم آية (١-٤).
{لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِى السَّمَاوَاتِ وَلَا فِى الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِى كِتَابٍ مُبِينٍ}: لا يعزب: لا النّافية، يعزب من: عزب الشّيء؛ أي: غاب وبَعُد، أي لا يغيب عن علمه أيُّ شيء مهما دقَّ وصغر، وما كان نوعه وشكله وحجمه ولونه، ارجع إلى سورة يونس الآية (٦١) لبيان معنى ذرة.
وهذه الآية من سورة سبأ هي إحدى ثلاث آيات فقط في كلّ القرآن الّتي أمر الله سبحانه رسوله بأن يقسم بربه على مجيء السّاعة، وأمّا الآية الثّانية فهي الآية (٥٣) من سورة يونس وهي قوله تعالى: {وَيَسْتَنبِـئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِى وَرَبِّى إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ} القسم في هذه الآية على مجيء العذاب، أمّا الآية الثّالثة فهي الآية (٧) من سورة التّغابن وهي قوله تعالى: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّى لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ} والقسم في هذه الآية على مجيء يوم البعث، إذن القسم كان على مجيء السّاعة والبعث والعذاب.
ولمقارنة هذه الآية (٣) من سورة سبأ: {لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِى السَّمَاوَاتِ وَلَا فِى الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ} مع الآية (٦١) من سورة يونس: {وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِى الْأَرْضِ وَلَا فِى السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ} ارجع إلى سورة يونس الآية (٦١) للبيان.