سورة البقرة [٢: ٥٤]
{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}:
{وَإِذْ}: الواو عاطفة؛ إذ: ظرف للزمن الماضي، وتعني: واذكروا إذ، أو وذكروا حين قال موسى لقومه.
{يَاقَوْمِ}: نداء به شعور الحنان، والعطف على قومه.
{يَاقَوْمِ}: القوم: جماعة كثيرة، وقيل: هم الرجال فقط، أو الرجال، والنّساء معاً.
{إِنَّكُمْ}: إن: للتوكيد، والكاف: للخطاب.
{ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ}: من معاني ظلم النفس؛ أي: نقصان حقها من التزكية، بدلاً من تزكيتها، يظلمها، ويدسيها كما قال تعالى: {وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: ١٠]، فيوردها موارد التهلكة والعذاب، ويحرمها من النعيم الأبدي، بالظلم الذي من معانيه الشرك والصد عن سبيل الله، وظلم الآخرين، وجحد نعم الله.
{فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ}: الفاء؛ للتوكيد، {فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ}: التوبة؛ تعني: الندم على الذنب، والإقلاع عنه، وعدم العودة إليه، والإكثار من العمل الصالح.
{بَارِئِكُمْ}: البارئ؛ اسم من أسماء الله تعالى الحسنى، ذكر مرتين في القرآن في هذه الآية، وفي سورة الحشر، آية (٢٤).
البارئ: اشتق من برأ الخلق؛ أي: خلق الخلق، متميزاً، بعضه عن بعض، بالأشكال المختلفة، والصور المتباينة، فأعطى لكل مخلوق صورة مختلفة عن الآخر، وقد تعني يبرئ المخلوق من الآفات، والأمراض؛ أي: الشافي.
{فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ}: الفاء: للتوكيد والتعقيب، والتشريع الإلهي كان بقتل كل من اتخذ العجل إلهاً كفارة لذنبه، وهو أقسى أنواع الكفارة، وذلك بأن يقتل الّذين اتخذوا العجل بعضهم بعضاً، أو أن يقتل الّذين لم يتخذوا العجل الّذين اتخذوا العجل، أو أن يقتل من اتخذ العجل نفسه بنفسه.
{ذَلِكُمْ}: اسم إشارة، واللام للبعد، والكاف للخطاب، و {ذَلِكُمْ}: تشير إلى أهمية، وعظم التوبة، والقتل معاً، ولم يستعمل ذلك، بدلاً من ذلكم؛ لهذا السبب.
{خَيْرٌ لَّكُمْ}: لكم خاصة، وليس لغيركم، وهذه التوبة؛ هي أصدق أنواع التوبة، وهي خير لكم؛ لأنها تنجيكم من عذاب الآخرة.
{عِنْدَ بَارِئِكُمْ}: ارجع إلى مطلع الآية للبيان.
{فَتَابَ عَلَيْكُمْ}: الفاء؛ للتوكيد، تاب: بصيغة الماضي؛ أي: هداهم كيف يتوبون، فتابوا، فتقبل منهم توبتهم مباشرة، من دون تأخير.
{إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}: إنه: للتوكيد، هو: للحصر.
{التَّوَّابُ}: أي: يقبل توبة عباده التائبين، مهما كان عددهم، وعدد توباتهم، ومهما كانت ذنوبهم كبيرة، أو صغيرة.
{الرَّحِيمُ}: لأنه لا يرد توبة تائب. ارجع إلى الآية (٣٧)، من نفس السورة لمزيد من البيان.