سورة الأنفال [٨: ٥٤]
{كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ}:
هذا هو الدّأب الثّاني، وأمّا الدّأب الأوّل: فقد جاء في الآية (٥٢)، وهذا الدّأب الثّاني غير الدّأب الأوّل.
الدّأب الأوّل: كان في العقيدة: الكفر، والشّرك، وعدم الاستجابة للرسل، والإيمان؛ فكان دأب كفار قريش؛ كدأب آل فرعون، ومن سبقهم من الأمم، مثل: قوم نوح، وعاد، وثمود في الكفر، والشّرك.
وأما الدّأب الثّاني: فجاء في الكفر بالنِّعم، والجحود بها؛ فكان كفار قريش أيضاً يشبهون آل فرعون، ومن سبقهم من الأمم في الكفر بأنعم الله، وعدم شكر المنعم على نعمه.
وأمّا الفروق بين الآيتين:
فالآية (٥٢): {كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِىٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ}.
والآية (٥٤): {كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ}.
الفرق الأول: {كَفَرُوا} (آية ٥٢)، {كَذَّبُوا} (آية ٥٤): الكفر: هو أعم من التّكذيب، والكفر أشد من التّكذيب، والتّكذيب: قد يكون جزئياً، أما الكفر: فهو عام.
الفرق الثاني: {بِآيَاتِ اللَّهِ} (آية ٥٢)، {بِآيَاتِ رَبِّهِمْ} (آية ٥٤):
{بِآيَاتِ اللَّهِ}: آيات الألوهية؛ أي: العبودية، والتقوى، والطاعة، وآيات التوحيد؛ توحيد الصفات، والأسماء، والتكاليف، والمنهج.
{بِآيَاتِ رَبِّهِمْ}: آيات الخلق، والرزق؛ أي: آيات الربوبية، والحلال، والحرام، والنِّعم.
الفرق الثالث: {فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ} (آية ٥٢)، {فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ} (آية ٥٤).
الأخذ: يكون بالعذاب، وأنواعه، والأخذ: قد يكون أليماً شديداً.
والهلاك: قد يعني: الموت أولاً. ارجع إلى سورة الأعراف، آية (٥).
{فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ}: الفاء: للتوكيد، بذنوبهم: الباء: للتعليل، أو السببية.
وهناك فرق بين قوله تعالى: {كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ} [الأنفال: ٥٤]، وقوله تعالى: {كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} [آل عمران: ١١] إضافة التكذيب بآيات ربهم الخاصة يشير إلى بشاعة وشدة كذبهم والاجتراء على الله تعالى مقارنة بقوله بآياتنا (عامة).
{وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ}: وبين كيف تم ذلك في سورة طه، آية (٧٨).
{فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ}، وأيضاً في سورة يونس، آية (٩٠-٩٢).
{حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِى آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَاءِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ}.
{وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ}: مشركو قريش، وآل فرعون، والّذين من قبلهم كانوا ظالمين: بالشّرك، والكفر، والمعاصي، وظالمين لأنفسهم بالصّد عن سبيل الله، وبإدخال أنفسهم في النّار، وبجحدهم نِعَمِ الله تعالى.