سورة المائدة [٥: ٨]
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}:
نداء للذين آمنوا بتكليف جديد، استعمل فيها ياء النداء: للبعد، والهاء: للتنبيه.
{كُونُوا قَوَّامِينَ}: قوّامين لله: جمع قوَّام، تدل على كثرة القيام؛ لأن قوَّام صيغة مبالغة لقائم، ولم يقل: كونوا قائمين، بل قوّامين.
{قَوَّامِينَ}: لله، بحقوقه، وواجباته، وطاعته، وبالإيفاء بالعقود، والعهود، والمواثيق، وما عاهدتم عليه الله، ورسوله -صلى الله عليه وسلم-.
{لِلَّهِ}: لأجل مرضاة الله وحده، والإخلاص له، وليس لأجل السمعة والرياء.
{شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ}: شهداء: جمع شاهد، أو شهيد. شهداء بالقسط: تعني: الحكم بالعدل أولاً، وبتنفيذ ذلك الحكم ثانياً وقدم قوامين لله على شهداء بالقسط؛ لأن الآية جاءت في سياق الوفاء بالعقود وشعائر الله والحل والحرام. ارجع إلى سورة النساء آية (١٣٥) للمقارنة؛ حيث قدم القسط على شهداء لله؛ لأن الآية جاءت في سياق العدل والقسط لليتامى والمستضعفين, والإصلاح بين الأزواج.
{وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا}: ارجع إلى الآية (٢) من نفس السورة للبيان.
{وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ}: أيْ: لا يحملنكم شنآن قوم؛ أيْ: بغضكم الشديد لقوم: أن يحملكم ذلك على الجور والظلم، وعدم تحرِّي العدل، واحترام العهود والمواثيق، وعدم الاعتداء على الآخرين؛ لأن المسلم يجب أن يكون قدوة للآخرين، مهما كانت عقيدتهم، وأن يكون عمله خالصاً لوجه الله تعالى.
والشنآن: هو البغض الذي يسبب العداوة.
ولا يحملنَّكم بغض قوم {عَلَى أَلَّا}: على أن: حرف مصدري؛ يفيد التعليل والتوكيد, وإذا نظرنا في هذه نجد أنه أضاف (على) مقارنة بالآية (٢) حيث قال أن تعتدوا بدون (على)، وعلى: تفيد المشقة والعلو والمقارنة تشير إلى أن الآية (٢) نزلت في صلح الحديبية حين صدوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والصحابة عنه العمرة وانتهى الأمر، أما الآية الثانية (٨) فهي عامة ومحكمة؛ أي: وهي الأمر بالعدل إلى يوم القيامة فهي أبلغ وآكد من الآية (٢).
{اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}: اعدلوا في القريب والبعيد، والغني والفقير، والقوي والضعيف، ومهما كانت ملَّته.
{هُوَ}: ضمير منفصل، يفيد التوكيد والحصر.
{أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}: أيْ: إقامة العدل والقسط يقرِّبكم للتقوى؛ أيْ: أقرب إلى أن تكونوا من المتّقين.
{اعْدِلُوا}: هو تكرار لقوله: {عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا}: والتكرار يفيد التوكيد على أهمية العدل، وعدم الجور.
{وَاتَّقُوا اللَّهَ}: تكرار، واتقوا الله: لا يدل على التكرار؛ لأن اتقوا الله في الآية (٧) جاءت في سياق إن الله عليم بذات الصدور نوايا الناس والآية (٨) اتقوا الله جاءت في سياق (بواطن الأمور).
{إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}: إنَّ: للتوكيد.
{اللَّهَ خَبِيرٌ}: ببواطن الأمور وخفايا الصدور. خبير: بما تقومون به من عدل، أو جور.
{بِمَا}: الباء: للإلصاق.
{تَعْمَلُونَ}: أيْ: تقولون وتفعلون.
وقدَّم كلمة {خَبِيرٌ}: على كلمة: {بِمَا تَعْمَلُونَ}؛ لأن السياق في الغيب، وخفايا الأمور، وليس أعمال العباد، ثم أوضح الله -جل وعلا- جزاء الفريقين: الذين آمنوا، وعملوا الصالحات، والذين كفروا، أو كذبوا.