سورة الفاتحة [١: ٥]
{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}:
{إِيَّاكَ}: ضمير فصل وتقديم إياك على نعبد يفيد الحصر والاختصاص أي: لا نعبد إلَّا أنت.
{نَعْبُدُ}: العبادة هي طاعة العابد للمعبود فيما أمر أو نهى والعبادة لا تكون إلَّا للخالق وتعني الخضوع ولها جزاء، ولا تكون إلَّا مع المعرفة بالمعبود. ارجع إلى سورة النحل الآية (٧٣) لمزيد من البيان في معنى العبادة.
{وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}: أي: لا نستعين إلَّا بك وحدك، نستعين نطلب العون للوصول إلى الغاية، نستعين بك في كل حركة وقول وفعل كل أمر وكل شيء في العبادة والطّاعة والرّزق والهم والغم والعجز والكسل، وفي كل أمر من أمور الدّنيا والآخرة.
وتكرار إياك للتوكيد وفصل كلاً من العبادة عن الاستعانة فقد نعبد الله، ولا نطلب منه الاستعانة أو نستعينه ولا نعبده، ولذلك لم يقل: إياك نعبد ونستعين كيلا تصبح العبادة مشروطة بالاستعانة أو الاستعانة مشروطة بالعبادة، وإياك نعبد تدل على حق الرّب، وإياك نستعين تدل على حق العبد.
وقوله: نعبد: لم يحدد نوع العبادة، بل أطلقها لتشمل كل أنواع العبادات.
وقوله: نستعين: لم يحدِّد نوع الاستعانة وأطلقها لتشمل كل أنواع الاستعانة المادية والمعنوية, الدنيوية والأخروية, وقرن العبادة بالاستعانة؛ لأن العبد يحتاج إلى الاستعانة بالله لكي يقوم بالعبادة, ولولا عون الله تعالى ما استطاع العبد أن يعمل شيئاً.
ولم يقل: إياك أعبد وإياك أستعين بصيغة الإفراد، وإنما جاءت بصيغة الجمع إشارة إلى أفضلية الدّعاء بصيغة الجمع بدلاً من الدّعاء أو الاستعانة بصيغة الإفراد أو صلاة الفرد، وقدَّم العبادة على الاستعانة؛ لأنّ العبادة فرض وحق الله تعالى على العبد، والاستعانة ليست فرض وإنما طلب وحق للعبد فقدَّم حق الله على حق العبد والعبادة هي الغاية الأولى لخلق الإنس والجن والاستعانة وسيلة, كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: ٥٦].
وملاحظة أخرى: مطلع الآيات في الفاتحة جاءت بصيغة الغائب، ثم تحولت إلى صيغة المخاطب بدءاً من قوله: إياك نعبد وإياك نستعين والسّر في ذلك أنّ الثّناء في حالة الغيبة أولى وأفضل والدّعاء في حالة الحضور «المخاطب» أولى وأفضل.
إياك نعبد تدل على الخضوع والتّواضع فهي دواء للكبر، وإياك نستعين دواء للضعف والعجز، واهدنا الصّراط المستقيم دواء للجهل.