للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سورة النساء [٤: ٤٨]

{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا}:

سبب النزول: قيل: لما نزلت هذه الآية: {قُلْ يَاعِبَادِىَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر: ٥٣] قام رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: والشرك بالله؟ فسكت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم أعاد الرجل سؤاله مرتين، أو ثلاثة، فنزلت هذه الآية، كما أخرج ابن المنذر.

{إِنَّ اللَّهَ}: إن: تفيد التوكيد بأن الله لا يغفر الشرك.

{لَا}: النافية؛ تنفي كل الأزمنة: الماضي، والحاضر، والمستقبل، وأوسع في النفي من (لن). لا: تفيد الإطلاق والعموم في النفي.

{يَغْفِرُ}: المغفرة: هو ستر الذنب؛ أيْ: محوه.

{أَنْ يُشْرَكَ بِهِ}: أن: حرف مصدري. الشرك: هو الشرك في الألوهية: يشركون معه غيره في العبادة، أو الربوبية، يشركون بأنه هو النافع الضار، والمعطي المانع، وأنه هو الخالق وحده، أو الصفات والأسماء بالتشبيه والتعطيل، والتحريف والتكييف؛ أيْ: لا يغفر لمن أشرك وكفر ومات على كفره وشركه، ولم يتب منه، وأما من مات وهو غير كافر، أو مشرك فأمره إلى الله؛ إما يغفر له، وإما أن يعذبه.

{وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ}: أيْ: ما دون الشرك، والكفر من سائر الذنوب.

{ذَلِكَ}: تشير إلى الشرك، والكفر.

{لِمَنْ يَشَاءُ}: اللام: لام الاختصاص.

{وَمَنْ}: استغراقية: يشاء من عباده.

{وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا}:

{وَمَنْ}: الواو: عاطفة. من: شرطية.

{يُشْرِكْ بِاللَّهِ}: في ألوهيته، وربوبيته، وأسمائه، وصفاته.

{بِاللَّهِ}: الباء: للإلصاق: الأوثان، والأصنام، والجبت، والطاغوت، وعيسى وعزير.

{فَقَدِ}: الفاء: رابطة لجواب الشرط. قد: للتحقيق، والتوكيد.

{افْتَرَى}: الافتراء: هو اختلاق الكذب المتعمد، وللكذاب أنواع؛ منها: الافتراء، والإفك، والبهتان، والظن، والخرص…

{إِثْمًا عَظِيمًا}: ذنباً عظيماً قبيحاً يُعد من الكبائر (والإثم قد يعني الصغائر والكبائر).

لنقارن هذه الآية (٤٨): {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا}، مع الآية (١١٦) في سورة النساء: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا}:

الآية (٤٨): جاءت في سياق الذين أوتوا الكتاب، الذين أشركوا بالله، وحرفوا الكتاب، وافتروا على الله الكذب، فهؤلاء عندهم علم، ورفضوا اتباع الحق، فقد افتروا إثماً عظيماً.

بينما الآية (١١٦): جاءت في سياق كفار قريش الغافلين الضالين، فهؤلاء ضلوا ضلالاً بعيداً عن اتباع الحق.

فهؤلاء إثمهم أقل من الذين افتروا إثماً عظيماً.